النقاش للاستدلال برواية الوصيَّة على دعوى المهدويَّة

الامام المهدی المنتظر (عج) الزيارات: 148
(وقت القراءة: 44 - 88 دقائق)

2455455

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله خالق الخلق أجمعين، والصلاة والسلام على خير الأنام نبيِّ الإسلام محمّد وآله السادة العظام. وبعد.. فقد خلق اللهُ الإنسانَ ونفسه مجبولة على طلب الأشياء والقدرة على تسخيرها والانتفاع منها، فآدم أبو البشر عليه السلام حين دلَّه إبليس على شجرة الخلد وملك لا يُبلى تناول منها، مع أنَّ الله تعالى قد عهد إليه أن لا يقرب منها، ومخالفة ذلك العهد غير ممكنة له إذا لم يجد من نفسه منازعة لما وعدهم به إبليس اللعين وميلاً كبيراً نحوه، والحكمة في خلقة الإنسان مجبولاً على ذلك أنَّه سيكون سبباً للعمران والارتقاء والسعي للاستكشاف، والشارع المقدَّس لم يمنع من ذلك وإنَّما أراد تشذيبه، فوضع له مجموعة محدِّدات عامَّة لئلَّا يجعل البشـر منشغلاً بمقتضيات ذلك عن الغاية الأصلية لخلقته، ولئلَّا يتوجَّه بنو النوع إلى الإجحاف بحقِّ الآخرين وإيقاع الظلم عليهم، فيكون سلوك الطريق الذي لا شائبة فيه مرتبطاً باختيار الإنسان وفق ما اقتضته حكمة الله البالغة في خلقه. وتوالت الأجيال ترث بعضها ليثرى النوع الإنساني فكرياً في جانب النظر، ويتمكَّن من قدرة عالية على تحديد قواعد السلوك العملي. لكن النوازع الجبلّية في خلقته باقية على حالها، لأنَّها مقتضـى إنسانيته، وعناصر التكوين في النوع معلولة لله تعالى لا دخالة لنا فيها في الإطار العامِّ. ولكن هذه النزعات الجبلّية التي يمكن أن تصبح عناصر فاعلة في ارتقاء الفرد والمجتمع لم يستثمرها أكثر أبناء النوع. ﴿وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (يوسف: ١٠٣). ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ (المؤمنون: ٧٠). فوُجِّهت دفَّة مركب المسير الحياتي لأكثر الناس نحو ما يرون فيه مصالح ومرادات للنفوس، وحاولوا استثمار كلِّ ما من شأنه أن يوصلهم إلى ما يريدون، بالاحتيال مرَّة، وبالافتراء والدجل أُخرى، وبالقهر والقوَّة ثالثة، وبالمداراة رابعة، وبالمقايضة خامسة، وكلُّ شيء عند نسبة كبيرة من أبناء النوع قابل للمقايضة. والإسلام لم يمنع من ذلك، لكنَّه أرشد إلى الصفقات الرابحة وحذَّر من الخاسرة، فقَبِلَ أن يُعبَّر بالبيع والشـراء في التعاطي معه وهو ربُّ الأرباب وخالق الناس من تراب، فقال عزَّ من قائل: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الصفّ: ١٠ و١١). وعبَّر عن فعله بالشـراء: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: ١١١). وغير ذلك. ووفقاً لذلك تكرَّر في التاريخ استعمال مختلف الطرق الملتوية للوصول إلى المراد، ومن أهمّ الأشياء التي تسعى لها النفوس هو أن تكون لها سِمة القداسة والرمزية، وسقف الدعاوى لا يمنعه إلَّا المحال الواضح عند الناس، فحين كان يقبل الناس أن يكون الإله بشـراً نادى فرعون: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى﴾ (النازعات: ٢٤)، وحين تحرَّكت أطماع أناس نحو ادِّعاء النبوَّة ادَّعتها أعداد، وحين عظم في نفوس الناس محلَّ الأئمَّة ادَّعى أُناس هذه الحيثية والمنزلة. وحين تاقت أنفس الناس إلى الإمام الثاني عشـر عليه السلام ودولة الحقِّ التي ستنشأ على يديه تسارع طلّاب الدنيا إلى ادِّعاء الانتساب إلى الدائرة المقرَّبة منه، وإنَّما كثر ذلك لأنَّ مجتمعاتنا تولّي اهتماماً كبيراً بفرج الله الأعظم ومشـروعه الإصلاحي الكبير، وأعان على ذلك انتشار الجهل بالموروث الشـرعي وتكالب الدنيا على أتباعه، فتاقت أنفسهم إلى الفرج، وأرادوا أن لا يُحرَموا من أن يُحسَبوا عليه. وزماننا ليس بدعاً من مقاطع الزمان، ولا الناس فيه مختلفة عن بقيَّة الناس في مختلف الأزمنة، فحاول أُناس أن يحسبوا أنفسهم على سفن النجاة، بل أرادوا أن يكونوا ملّاحيها، ووجدوا في جهّال الأُمَّة طلبتهم، فدلَّسوا عليهم واستغلّوا ضعف إدراكهم وتوق أنفسهم، فنعقوا مع ناعقين طلبوا الباطل بظاهر الحقِّ، فكان ما كان. وكلُّ هؤلاء المدَّعين يتعكَّزون على تدليسٍ في بعض الموروث الشـرعي وحَرفٍ للكلام عن مواضعه. ونحن ومن منطلق المسؤولية نحاول أن نقف على بعض ما استندوا إليه لإثبات صحَّة مدَّعياتهم ونقلّب أفهامنا فيه، ونشير إلى نقاط الوهن والضعف والتدليس على الناس، ليتذكَّر متذكِّر ويزدجر مزدجر، والله من وراء القصد. أسأل الله أن يحلُلْ عقدة من لساني ليُفقَه قولي في أهمّ ما يستند إليه من ادَّعى أنَّه اليماني والمتمثِّل برواية الوصيَّة، إنَّه خير ناصر ومعين. رواية الوصية: أطال أحمد بن إسماعيل وبعض أتباعه الوقوف على رواية الوصيَّة بزعمه والتي رواها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة، فلا بدَّ من نقلها بتمامها ثمّ الوقوف على مكان الخطأ في الاستدلال بها. قال الشيخ: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن عليِّ بن سفيان البزوفري، عن عليِّ بن سنان الموصلي العدل، عن عليِّ بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصـري، عن عمِّه الحسن بن عليٍّ، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيِّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة التي كانت فيها وفاته لعليٍّ عليه السلام: «يا أبا الحسن، أحضـر صحيفة ودواة»، فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «يا عليُّ، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشـر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشـر مهدياً، فأنت يا عليُّ أوَّل الاثني عشـر إماماً، سمّاك الله تعالى في سمائه عليّاً المرتضـى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك. يا عليُّ، أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي، فمن ثبَّتَّها لقيتني غداً، ومن طلَّقْتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أُمَّتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلِّمها إلى ابني الحسن البرِّ الوصول، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه سيِّد العابدين ذي الثفنات عليٍّ، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه عليٍّ الرضا، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضـرته الوفاة فليُسلِّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد، فذلك اثنا عشـر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشـر مهدياً، (فإذا حضـرته الوفاة) فليُسلِّمها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي، اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث المهدي، هو أوَّل المؤمنين»(١). المناقشة السندية:

الهوامش: (١) الغيبة للطوسي: ١٥٠ و١٥١/ ح ١١١. (٢) الإرشاد للديلمي ٢: ٣٣٦. (٣) لسان الميزان ٢: ١٠٨/ الرقم ٤٤٢. (٤) نهج البلاغة: ٥٥٦/ ح ٤٥٦. (٥) رواها في البحار ٤٦: ١٨٠، عن الاحتجاج: ٢٠٤. (٦) الكافي ٧: ٢٩٩ و٣٠٠/ باب الرجل يقتل المرأة.../ ح ٦. (٧) معجم رجال الحديث ٦: ٢١٠/ الرقم ٣٣٠٢. (٨) الإرشاد ٢: ٣٧٨. (٩) إعلام الورى ٢: ٢٩٥. (١٠) كمال الدين: ٣٣١/ باب ٣٢/ ح ١٦. (١١) الفتن للمروزي: ١٧٤. (١٢) الغيبة للنعماني: ٢٨٦/ باب ١٤/ ح ٦٠. (١٣) بحار الأنوار: ٥٢: ٢٧٢/ ح ١٦٦. (١٤) الكافي: ٨: ٢٧٤/ ٤١٢. (١٥) الكافي ٨: ٢٦٤ و٢٦٥/ ح ٣٨٣. (١٦) الاحتجاج ٢: ٣٤٩. (١٧) علل الشرائع ٢: ٥٨١/ باب ٣٨٥/ ح ١٦. (١٨) الكافي ١: ٣٦٩/ باب كراهية التوقيت/ ح ٦. (١٩) الغيبة للنعماني: ٢٦٤/ باب ١٤/ ح ١٣. (٢٠) الغيبة للطوسي: ٤٤٦ و٤٤٧/ ح ٤٤٣. (٢١) الغيبة للنعماني: ٢٨٦/ باب ١٤/ ح ٦٠. (٢٢) الغيبة للطوسي: ٤٤٧/ ح ٤٤٤. (٢٣) كمال الدين: ٣٤٧/ باب ٣٣/ ح ٣٥. (٢٤) الغيبة للطوسي: ٣٣٧ و٣٣٨/ ح ٢٨٥. (٢٥) الغيبة للنعماني:١٥٣ و١٥٤/ باب ١٠/ ح ٩ و١٠. (٢٦) الغيبة للطوسي: ٤٣٧/ ح ٤٢٨. (٢٧) الغيبة للنعماني: ٢٨٥/ باب ١٤/ ح ٥٨. (٢٨) الغيبة للنعماني: ١٤٩/ باب ١٠/ ح ٥. (٢٩) بيان الحقِّ والسداد: من الأعداد ١ و٢: ٣٨. (٣٠) ص ٤٤. (٣١) الجواب المنير عبر الأثير. (٣٢) الجواب المنير عبر الأثير. (٣٣) الجواب المنير عبر الأثير: ٤ - ٦: ٧٤. (٣٤) الغيبة للنعماني: ١٧٨/ باب ١٠/ فصل ٤/ ح ٩. (٣٥) كمال الدين: ٣٢٦/ باب ٣٢/ ح ٥. (٣٦) راجع: تفسير القمّي ٢: ٣٦٥. (٣٧) كمال الدين: ١٤٧/ باب ٦/ ح ١٣. (٣٨) راجع: تفسير مجمع البيان ٧: ٤١٦. (٣٩) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «أوَّل ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإذا قُبِلَت قُبِلَ سائر عمله، وإذا رُدَّت رُدَّ عليه سائر عمله». (الأُصول الستَّة عشر: ٣٢٢/ ح ٥١٢/٢٢). (٤٠) الألفية والنفلية للشهيد الأوَّل: ٨٣؛ بحار الأنوار ٨٢: ٣٠٧ و٣٠٨/ ح ٣. (٤١) عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كان يوم القيامة يُدعى بالعبد، فأوَّل شيء يُسئل عنه الصلاة، فإن جاء بها تامَّة، وإلَّا زُخَّ في النار». (بحار الأنوار ٨٢: ٢٠٧ و٢٠٨/ ح ١٥). (٤٢) المدَّثِّر: ٤٢ و٤٣. (٤٣) عوالي اللئالي ٢: ٢٤/ ح ٥٤؛ قريب منها رواية جابر الجعفي بحار الأنوار ٨٢: ٢٣٦/ ح ٦٦. (٤٤) بحار الأنوار ٥٢: يبدأ الباب من (ص ١٨١) وينتهي (ص ٢٧٨). (٤٥) جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي: ج١٥، ص٣٦٨. (٤٦) الكافي ٢: ٤٣٥/ باب التوبة/ ح ٨. (٤٧) كان والد القسِّ گريگورد وهو ميخائيل گريگورد يرعى الخراف في الأراضي المجدبة في إقليم جزتلند الغربي، وهو في الثانية عشرة من عمره، وهو يعاني آلاماً مبرحة من الجوع والبرد والوحدة، صعد على صخرة وأخذ يسبُّ هذا الإله الذي يترك طفلاً في العذاب دون أن ينجده. ولكن سرعان ما وافته النجدة من خالٍ ثري يتَّجر في الأقمشة في كوبنهاگن، فتغيَّر حاله عند ذهابه مع خاله، لكنَّه لم ينسَ أبداً أنَّه يئس من رحمة الله وأنكر دينه وربَّه، لقد نسـي الفقر والجوع ولكنَّه لم ينس خطيئته، ولبث يعيش في خشية وارتعاد منتظراً العقاب الإلهي، ذلك القلق الذي عبَّر عنه دوستوفسكي في إحدى رواياته القلق الناجم عن ارتكاب جريمة فيخشى العقاب حتَّى يكاد يستدره، ثمّ أدّى به ذلك إلى أن يترك عمله ليفوت على الله تعالى المكر به، وترسَّب جنون الخطيئة هذا داخل الابن، وقد كان الحبُّ يملأ قلبه لكنَّه كان مقروناً بالجنون والخطيئة، وقد كان يقول: كلُّ لون من ألوان الوجود يخيفني من أصغر ذبابة حتَّى سرّ التجسيد. (٤٨) راجع: بصائر الدرجات: ٤٣٢/ الجزء ٨/ باب في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي».

طباعة