الإمام الحسن ودوره القيادي

(وقت القراءة: 3 - 5 دقائق)

استلم الإمام الحسن(عليه لسلام) قيادة الأمة الإسلامية بعد شهادة أبيه الإمام علي(عليه السلام) في ظروف اجتماعية ونفسية خاصة كان يتمتع بها المسلمون في عصره وكما كان المتوقع من معاوية بالشام فقد ثبت معاوية أقدامه في السلطة عبر وسائله الماكرة بالعطاء وتوزيع المناصب السياسية وكأنما كان يتربص هذه الفرصة السانحة لإشاعة هذه الروح الجاهلية في الوسط الاجتماعي الإسلامي من جديد فهيأ نفسه لخوض معركة الخلافة يقودها ضد الوريث الشرعي لها وهو الإمام الحسن(عليه السلام) وكان يعلم أن الأئمة الشرعيين لا يمكن إخضاعهم إلا بالتصفيات الجسدية لذلك جهز الجيوش لمقاومة الخليفة الجديد الذي بدأ يعاني من انعكاسات الحالة المفسدة التي أشاعها جهاز معاوية بين المسلمين فبدأ الناس يشككون في شرعية الحرب والقتال ما بين المسلمين وظهرت مبادرات المصلحين بضرورة حقن دماء المسلمين بل لإيقاف نزيف الدم والصراع، هذا من جانب ومن جانب آخر كان معاوية يغدق أمواله وهداياه إلى بعض رؤساء القبائل في الكوفة بل لمسؤولي جيش الإمام الحسن(عليه السلام) كل ذلك ساعد على نمو روح اللامبالاة من المسؤولية الشرعية فبدأ الضعف ينخر في جسم المقاومة الإسلامية بشكل واضح ـ أقصد جيش الإمام الحسن ـ من هنا عرف الإمام الحسن(عليه السلام) أنه أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يدخل حرباً خاسرة ـ سلفاً ـ ومعروفة النتائج ومن ثم سيستعمل معاوية مكره السياسي ومكر بطانته المنتفعة أمثال عمرو بن العاص وخداع حاشيته المصلحية، في إخراج مسرحية ذكية يظهر فيها معاوية انه رجل السلام والصلح والعفو وبذلك سيحصل على تأييد الرأي العام بصلاحيته في الحكم فيكون هو الأجدر بالسلطة والجاه في نظر الناس وأن الإمام الحسن(عليه السلام) يريد الرئاسة والاعتداء وإراقة الدماء فيظهره أمام المسلمين بعد أسره في الحرب ـ مثلا في الصلاة الجامعة ـ فتميل القلوب لمعاوية المنتصر ضد الإمام المخذول من قبل جيشه وبعد استحقاق الإمام للعقوبة حسب المسرحية المتوقعة يصدر معاوية عفواً عاماً للإمام بالضبط كما يصنع الطغاة اليوم فيضعه تحت الرقابة المتشددة وبذلك ينتهي الإمام الحسن(عليه السلام) سياسياً أي يموت سياسياً فقد ينفض الناس من حوله لأسباب ومبررات عديدة ويصير معاوية صاحب المن والعطاء على القيادة الشرعية المتمثلة بالحسن. وبذلك يمتص غضب الناس بالعفو عنه تقرباً إلى جده وأبيه. . ولو نجحت هذه المسرحية سيصاب الإسلام بخسارة كبيرة وتسود حالة الإحباط في صفوف المسلمين وخاصة في تلك الظروف الحساسة حيث فقدان الحرية الإعلامية وضعف الحالة التوعوية لدى عموم المسلمين وإلى جانب ذلك ابتسامة الدنيا أمامهم فقد قال الإمام الحسن(عليه السلام): (أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ولكن نقاتلهم بالسلامة والصبر نشيب السلامة بالعداوة والصبر والجزع وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم. . . ).
حتى أن قادة جيشه كتبوا لمعاوية بعد استلام الصفقات المالية الأولى كمقدمة لما يأمرهم به معاوية ـ أتحب أن نسلمك الحسن حياً أم ميتاً ـ وهم أنفسهم كانوا يتظاهرون بالحب والولاء للإمام الحسن(عليه السلام) ولكنهم في الخفاء كانوا يستهزئون ويناجون شياطينهم بالخديعة.
فقالوا له: (أنت خليفة أبيك ووصيه ونحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك)، فقال(عليه السلام) لهم: (. . كيف أطمئن إليكم ولا أثق بكم).
فهكذا علاقة بين القائد وجيشه علاقة اللاثقة من المؤكد أن تكون الحرب خاسرة من بدايتها. . .
أما الخيار الثاني فهو أن يفوت الإمام على معاوية فرصته الماكرة تلك وذلك بقبول معاهدة الصلح المعروضة على الإمام بمثابة الفصل الأول من المسرحية فكان يتصور معاوية أن عرض الصلح لحقن الدماء سيُرد من قبل الإمام الحسن(عليه السلام) وكان يراهن على الرد العكسي وبذلك يرمي بأعباء المعركة على كاهل الإمام في حالة رفضه للصلح ولكن معاوية فوجئ بقبول الصلح من قبل الإمام الحسن(عليه السلام) وبذلك تم تفويت الفرصة الماكرة فسقط البنيان الباطل في رأس معاوية وكانت خطة حكيمة من قبل الإمام مناسبة تماماً للظروف الموضوعية والذاتية في المسلمين.
يقول الإمام الحسن(عليه السلام): (وإن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه وقد رأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم أر إلا صلاحكم وبقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين).
وبالفعل كانت المسألة اختبار وفتنة للمؤمنين حتى تصقل شخصياتهم بالإيمان والصبر وليهيئوا أنفسهم إلى حين وذلك الحين هو حين الإمام الحسين(عليه السلام) حيث إعلان الثورة الإسلامية في كربلاء ضد الانحراف والجهل.
هذا مع العلم ان بنود الصلح كانت انتصاراً سياسياً كبيراً حققه الإمام الحسن على خصمه معاوية وذلك لأنه دخل لإبرام المعاهدة من باب القوة لا من نقطة الضعف مما أزعج معاوية وخطه المتستر بالإسلام وبلغ غضبهم أشده حينما أحس معاوية بخطورة بنود الصلح فانفعل وصرح ضدها علناً أمام الملأ وبذلك بدأت تتساقط أوراق الخريف وتظهر عورة النظام أمام الناس وانحرافه عن الإسلام، وأعلن موقفه بقوله: (والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولتصوموا ولتحجوا ولا لتزكوا ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم لها كارهون ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها).
هذا هو النصر السياسي الساحق الذي حققه موقف الإمام الحسن(عليه السلام) بالصلح هذا الموقف الإصلاحي الشجاع والذي ظلم من قبل السلطة الجائرة هو الذي أولد فيما بعد الغضب الجماهيري الذي تجسد في الطليعة المجاهدة التي خرجت ثائرة مع الإمام الحسين ليقودها ضد الانحراف في السلطة الحاكمة والتي استمرت الثورات تلو الثورات حتى تم إقلاع بني أمية من الحكم. ومن جهة أخرى نلاحظ أن الإمام الحسن بدأ باستثمار هذا الضعف البين في موقف السلطة في إلغاء المعاهدة عن طرف معاوية فقط وهذا الأمر خلاف القواعد الشرعية الإسلامية وقد أحست السلطة بخطورة وجود الإمام الحسن(عليه السلام) لذلك دبرت له مكيدة ودست له السم لتتخلص من أبرز مناهض سياسي للسلطة فلو كان تاركاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والعمل المتواصل والتخطيط الدؤوب ضد معاوية لما كانت السلطة تواصل سعيها في تصفيته جسدياً وإنما أقدمت على هذا الفعل المنكر بعد أن تيقنت بأن الإمام يسير ضمن خطة متكاملة لتهيئة الأجواء للثورة المسلحة وأنه يسعى لكسبها عسكرياً كما كسبها سياسياً في الجولة الأولى. فكان يرتبط بالعناصر المؤمنة ويربيها ويهيئها للدور الجهادي المرتقب وأشار للقيادة الشرعية القادمة أنها لأخيه الحسين(عليه السلام) وهذا ما نصه كذلك ضمن بنود المعاهدة بينه وبين معاوية وقد اتبع كذلك الدور القيادي في التغيير الاجتماعي والإصلاح واحتضان الأيتام والعوائل المظلومة بالرعاية والاهتمام والإدارة كما مر ذلك مع أبيه الإمام علي(عليه السلام) أي ضمن المشروع المتكامل للإصلاح الاجتماعي والثورة ضد الواقع الفاسد في النظام الحاكم والأمة المسلمة.

 


طباعة   البريد الإلكتروني