عداء الوهابيّة للإمام علي عليهالسلام
يقول أكثر الدارسين لسيرة ومنهج هذه الجماعة : أنّ تعاملهم مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ما كان ليكون لولا العداء العجيب الذي يكنّه ابن عبد الوهاب وأتباعه لأهل البيت النبويّ ورجالات البيت الهاشميّ ككلّ ، لا سيما السادة الكرام.
وإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبر أمير المؤمنين عليهالسلام وهو بدوره أخبرنا ، كما في نهج البلاغة بقوله : «والله ، لَو ضَربتُ خيشومَ المؤمنِ بسيفي هذا على أن يُبغضني ما أبغضني ، ولو وضعتُ الدنيا بين يدي المنافق على أن يُحبّني ما أحبّني ؛ وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسان رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث قال لي : يا عليّ لا يحبّك إلا مؤمنٌ ، ولا يُبغضك إلاّ منافقٌ» (1).
ولهذا الحديث عدّة روايات وبألفاظ مختلفة ، ممّا يؤكّد صدروها عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بتلك الألفاظ لاختلاف مناسباتها ، كقوله صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : «يا علي ، لا يحبّك إلاّ طاهر الولادة ، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة» (2).
وهذا ما أكّدته عائشة بنت أبي بكر حين سألوها عن الإمام علي عليهالسلام في أواخر أيّامها ، فقالت شعراً :
إذا ما التِّبْرُ حُكَّ على محكٍّ *** تبيّنَ زيفهُ من غيرِ شكِّ
وفينا الدرُّ والذهب المصفى *** عليّ بيننا شبهُ المحكِّ
نعم ، إنّ الإمام علياً عليهالسلام هو المحكّ المميّز للناس ، ألم يقل له رسول الله صلىاللهعليهوآله : «حبّ علي عنوان صحيفة المؤمن» (3)؟!
وقال صلىاللهعليهوآله : «مَنْ آذى علياً فقد آذاني» (4).
وقال أيضاً : «علي مع الحقّ والحقّ مع علي لا يفترقان» (5).
وقال صلىاللهعليهوآله : «مَنْ أطاع علياً فقد أطاعني ، ومَنْ عصى علياً فقد عصاني» (6).
وأكّدت كتب الصحاح قوله صلىاللهعليهوآله : «يا علي ، لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق» (7).
هذا الذي فضائله كُتبت على صفحات تاريخ الإنسانيّة بأنصع الكلمات النورانيّة ، هذا الذي قام الإسلام بسيفه ، ومال خديجة كما في الرواية. هذا الذي قاتل على التنزيل مع رسول الله ، وقاتل على التأويل من بعده ؛ حفاظاً على دين الله من أن يصيبه هدم أو ثلم ، فسلامة الدين أحبّ إليه كما هو ثابت عنه (صلوات الله عليه وآله).
فما هو موقف هذه الجماعة من عظيم الإسلام وإمام المسلمين ، وأمير المؤمنين ، وقائد الغرِّ المحجّلين ، ويعسوب الدين ، عدل القرآن الناطق. هذا الذي لولاه لما كان للإسلام ذكر أو فكر؟
وأدعوك عزيزي القارئ إلى تصوّر الإسلام بدون علي بن أبي طالب عليهالسلام ، هل يمكن أن نرفع علياً من تاريخ الإسلام الحنيف؟
إليك بعض ما قاله إمام النواصب ابن تيميّة الذي أصّل اُصول السلفية ، وأسّس لهم القواعد التي بنوا عليها دعوتهم الخارجة عن سنن الدين القويم ، ومن أقواله نعرف أصله وفصله.
كان يقول ابن تيميّة في الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام : (إنّ أبا بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول ، وعليٌّ أسلم صبيّاً ، والصبي لا يصحّ إسلامه على قول) (8).
فالإمام علي عليهالسلام لم يكن مسلماً عند ابن تيميّة ؛ لأنّه أسلم صبيّاً ولا يصح إسلام الصبي كما يقول ويدّعي ، ولكن كيف يطلق هذا الحكم ـ بعدم صحة إسلام الصبي ـ لا أدري؟!
لسنا هنا في باب إثبات الفضائل أو مناقشة إسلام الإمام علي عليهالسلام ، ولكن نرجع إلى كلّ مَنْ أرّخ عن هذا الإمام وسيرته ، منذ أن كان في بطن أُمّه ، ثمّ ولادته متفرّداً بهذه الخصيصة في جوف الكعبة ، ثمّ تربيته بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله منذ البداية وحتى شهادته في محراب عبادته في مسجد الكوفة؟!
فهل تجد في سيرته العطرة ما يخرجه عن الدين والعياذ بالله؟! أم أنّك تجد قصّة حياته كلّها ديناً يدان بها؟! فأين هذا ممّن شاخ وكبر على الشرك وعبادة الأصنام؟!
نعم ، إنّه صوت العدالة الإنسانيّة الشامخة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وكفى كونه صنو النبيّ المصطفى صلىاللهعليهوآله.
نعم ، إنّ الإغضاء عن خصائص الإمام عليهالسلام وعظيم مزاياه (وفضائله) إغضاء عن الشمس في رائعة النهار ، وإغضاء عن الخُلق النبيل ، وعن الصدق الذي لا يحجبه شيء ، وعن اليقين ، وعن الشجاعة والإيمان والحكمة في أتّم معانيها ، إغضاء عن الكمال (الإنساني). ولكن ، هناك مَنْ لا يقف عند حدود الإغضاء ، بل يبتعد حتّى ينال منه عليهالسلام تلميحاً أو تصريحاً ـ والعياذ بالله ـ ، نيلاً يحمله عليه هوى في الآخرين يريد أن يرفعهم ، أو شنآن ينقله من باب إلى آخر من أبواب كلامٍ لا يستحسن له وجه في حالٍ من الأحوال (9).
وهذا حال السلفية كلّهم ، وعلى رأسهم ابن تيميّة وتلميذه الأخير محمد بن عبد الوهاب ؛ فإنّهم ناصبوا رسول الله وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) العداء ، فكان أمير المؤمنين علي عليهالسلام أوّل هدف لهم يريدون النيل منه ؛ ليبرّروا فعلة أعدائه بني أُميّة بسبابه ولعنه على المنابر أعواماً متطاولة.
ولتكون ذريعة لانتقاص أبنائه وشيعته الذين يدينون لله بحبّهم وولائهم لأميرهم علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وانطلاقاً من البغض والحقد راحوا إلى كلّ فضيلة ورواية تتحدّث عن فضائله عليهالسلام فكذّبوها وأنكروها أصلاً ، ولم تسلم منهم الروايات المتواترة والأحاديث الثابتة والصحيحة المؤكّدة بحقّه.
وأنكروا حتّى نزول آيات القرآن بحقّ أهل البيت عليهمالسلام الذين كان رأسهم وأصلهم أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام وسيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، حتّى إنّ حديث الولاية المتواترة كما يؤكّد تواتره الذهبي ، وخطبة حجّة الوداع التي يقول فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله : «مَنْ كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه ، وانصر مَنْ نصره ، واخذل مَنْ خذله ، وأدر الحقّ معه كيفما دار» (10).
فيقول عنه ابن تيمية : (فليس هو في الصحاح ، لكن هو ممّا رواه العلماء ، وتنازع الناس في صحته)! وأمّا ابن حزم فإنّه يقول عنه : (فلا يصح من طريق الثقاة أصلاً) (11).
وهل تصدّق أنّ الألباني ذاك السلفي العنيد يعترف بصحة الحديث وتواتره ، ويستغرب من معلّمه وأستاذه البعيد ، فيقول : فمن العجيب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيميّة على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في (منهاج السنّة 4 ص 104).
فلا أدري ـ بعد ثبوت تواتره ـ وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة.
وفي مكان آخر يقول الشيخ : (وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها) (12).
هذا ديدنهم ، وتلك هي مبالغ علمهم ، فشيخ الإسلام السلفي ـ لا الإسلام المحمدي ـ ينكر كلّ فضائل أمير المؤمنين علي عليهالسلام حتّى التي تسالم عليها الصبيان ، وسارت بها وبأمثالها الركبان ، كالعلم والشجاعة.
ابن تيميّة وعلم علي بن أبي طالب عليهالسلام
يقول ابن تيمية عن أمير المؤمنين عليهالسلام : (لا نسلّم أنّ علياً كان أحفظ للكتاب والسنّة وأعلم بهما من أبي بكر وعمر ، بل هما كان أعلم بكتاب الله والسنّة منه) (13).
هل سمعت بمثل هذه الدعوى الباطلة والفرية المفضوحة؟! هل كان الرجل يعلم من صاحبيه أكثر من علمهما بأنفسهما؟! ونُحيله إلى كتب التاريخ ؛ فإنّها أحصت أكثر من مئة وخمسين مرّة قال فيها عمر بن الخطاب : (لولا علي لهلك عمر) (14).
وفي رواية أُخرى : (أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن) (15).
وكم مرّة أحصر هو وصاحبه عن أبسط الأسئلة في كتاب الله حتّى المعان اللغوية ، ألم يقل أبو بكر : (أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم). وقال عمر : (لا عيب على عمر أن يقول لا أعلم).
وقال عمر أيضاً : (كلّ الناس أفقه منك يا عمر حتّى ربّات الحجال) (16).
ألا تعجب من إمامٍ أخطأ وامرأة أصابت؟!
ومَنْ قال أنّ أبا بكر أو ابن الخطاب كانا ممّن حفظا كتاب الله؟! فها هي كتب التاريخ والسنن إن كان فيها إلاّ أنّ عمر بن الخطاب حفظ سورة البقرة بعد اثني عشر سنة من نزولها ، فذبح لذلك عجلاً سميناً فرحاً بذلك.
أين ذلك كلّه وسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «أقضاكم علي» ، «أحكمكم علي» ، «أعلمكم علي».
الإمام علي مُلئ إيماناً من مشاشة رأسه إلى أخمص قدميه ، فكان الأنزع البطين الذي بطن العلوم كلّها ، وهو الذي جمع القرآن حفظاً ورواية وتفسيراً حتّى إنّ جميع علوم الإسلام تنتهي إليه بطريق من الطرق ، أو تتعلّق به بسبب من الأسباب.
إنّ إنكار القوم لعلم باب مدينة العلم النبويّة الإلهيّة ، حيث قال النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَنْ أراد العلم فليأتِ باب المدينة» (17) لهو إنكار لأوضح الواضحات ، ولكن في الأمر قضية ، ووراء الأكمة ما وراءها ، فهذا نتيجة الحقد الأعمى والبغض الشنيع لأمير المؤمنين عليهالسلام.
المصادر :
1- نهج البلاغة ص قصار الحكم رقم 45.
2- ينابيع المودّة ص 158 ب44.
3- ينابيع المودّة ص 105 ب 20.
4- مسند أحمد بن حنبل ص ح 15394.
5- ينابيع المودة ص 65 ب 7.
6- الحاكم في المستدرك 3 ص 121 و 128.
7- صحيح مسلم 1 ص 86 ، الترمذي 5 ص 643 ، النسائي 8 ص 116 ، ابن ماجة 1 ص 42.
8- السلفية الوهابيّة ص 65 عن الدرر الكامنة 1 ص 155 ، في ترجمة ابن تيمية.
9- ابن تيمية حياته وعقائده ص 321.
10- بحار الأنوار 37 ص 148.
11- السلفية الوهابيّة ص 65 ، منهاج السنة 4 ص 86.
12- المصدر السابق ص 66.
13- منهاج السنة 3 ص 270.
14- شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 12 ص 205.
15- ابن حجر في فتح الباري 12 ص 101 ، أبو داوود في السنن 2 ص 227 ، البخاري في صحيحه باب لا يُرجم المجنون والمجنونة.
16- شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 1 : الآية 182 ، السيوطي في الدرّ المنثور 2 ص 133 ، ابن كثير في تفسيره 1 ص 368 ، القرطبي في تفسيره 5 ص 99.
17- تاريخ دمشق ـ لابن عساكر 42 ص 387 الرقم (8976) ، الحاكم النيسابوري 3 ص 126 و 128 و 226 ، ليالي بيشاور ـ لسلطان الواعظين ، ويذكر فيه خمسين مصدراً من مصادر العامّة.