قبسات من حياة السيدة فاطمة المعصومة

(وقت القراءة: 4 - 8 دقائق)

  يوافق غرة شهر ذي القعدة الذكرى العطرة لولادة السيدة فاطمة المعصومة بنت موسى الكاظم (ع)، وبهذه المناسبة العطرة نسلط الضوء على ملامح من حياتها الميمونة والمباركة صلوات الله عليها.

وكالة أنباء الحوزة - السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها)؛ بنت الإمام الكاظم عليه السلام ومن فاضلات نساء أهل البيت عليهم السلام. وإحدى الذرية الصالحة المدفونة في مدينة قم المقدسة، كما أنها تحظى بمنزلة رفيعة بين المؤمنين.

ولادتها ونسبها

لم تسجل لنا الوثائق التاريخية القديمة يوم ولادة السيدة المعصومةعليها السلام، إلا أن المصادر المتأخرة سجلت لنا أن ولادة فاطمة بنت موسى عليه السلام كانت في المدينة المنورة غرة ذي القعدة الحرام 173ه.[١] أبوها سابع أئمة الشيعة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. وقد ذكر الشيخ المفيد ابنتين للإمام الكاظم عليه السلام يحملان اسم فاطمة الأولى فاطمة الصغرى والأخرى فاطمة الكبرى.[٢] وأضاف ابن الجوزي فاطمة الوسطى والأخرى.[٣] أمها السيدة نجمة خاتون، كما أن السيدة المعصومة شقيقة الإمام الرضا عليه السلام أيضا.[٤]

أسماؤها وألقابها

وقد ذكرت لها ألقاب من أشهرها: الطاهرة، والحميدة، والبرة، والتقية، والنقية، والرضية، والمرضية، والسيدة.[٥] وبأخت الرضا عليه السلام.[٦] والمعصومة، وكريمة أهل البيت.

المعصومة

وقد روي بأنها كانت تلقب بالمعصومةعليها السلام،وأن هذا اللقب أشهر ألقابها، وهو كما ورد عن الإمام الرضا (ع): من زار المعصومة في قم فله الجنة.[٧]

كريمة أهل البيت

وتشتهر اليوم بلقب كريمة أهل البيت عليه السلام أيضا، ويبدو أن هذه التسمية تعود إلى رؤيا السيد محمود المرعشي النجفي والد السيد المرعشي، حيث أوصاه أحد المعصومين (ع) في المنام أن يزور السيدة المعصومة (ع) واصفا إياها ب "كريمة أهل البيت". [٨]

خصائصها وصفاتها الشخصية

ورد في المصادر والنصوص الدينية أنه لم يبلغ أحد من أبناء الإمام الكاظم عليه السلام مع كثرتهم - باستثناء الإمام الرضا عليه السلام- ما بلغته السيدة المعصومةعليها السلام من منزلة ومكانة مرموقة.[٩] وقد صرح الشيخ عباس القمي بأن «أفضل بنات الإمام الكاظم عليه السلام السيدة الجليلة المعظمة فاطمة والشهيرة بالمعصومة».[١٠]

مكانتها العلمية

يدل على مكانتها العلمية ما ورد في بعض الوثائق التاريخية من أن جماعة من الشيعة قصدوا المدينة يريدون الإجابة عن بعض الأسئلة التي كانت معهم، وكان الإمام الكاظم عليه السلام مسافرا خارج المدينة، فتصدت السيدة فاطمة عليه السلام للإجابة، وكتبت لهم جواب أسئلتهم. وفي طريق رجوعهم من المدينة صادفوا الإمام عليه السلام، فعرضوا عليه الإجابة، وعندما اطلع الإمام عليه السلام على جوابها قال ثلاث مرات: «فداها أبوها».[١١]

عدم زواجها

نقل اليعقوبي أن ذلك يعود إلى وصية من الإمام الكاظم عليه السلام حيث أوصى- كما يقول اليعقوبي- بأن لا تتزوج بناته من أحد.[١٢] وقد رد بعض الباحثين هذا الرأي مستندا إلى جهالة راويه، وأنه مما تفرد بنقله أحمد بن يعقوب (اليعقوبي)، وهو غير كاف لإثباته وهو مخالف للسيرة والتاريخ،[١٣] يضاف إلى ذلك أن رواية الكافي تؤكد أن الإمام الكاظم عليه السلام لم يمنع من الزواج، وإنما أرجع ذلك إلى ولده الإمام الرضا عليه السلام، حيث قال عليه السلام: «و لا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن ولا سلطان ولا عم إلا برأيه- يعني الإمام الرضا عليه السلام- ومشورته فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله...».[١٤] و إن نظرة فاحصة إلى مجمل الأوضاع العصيبة التي عاصرتها السيدة المعصومة عليها السلام، والضغط الشديد والإرهاب اللذين تعرض لهما العلويون والطالبيون في عهد هارون الرشيد، انتهاء بالاعتقال والقتل الفجيع الذي تعرض له كبيرهم الإمام الكاظم عليه السلام، يجعلنا ندرك سبب عدم زواج السيدة المعصومة وأغلب بنات الإمام الكاظم عليه السلام. و لقد كان العلويون والطالبيون ملاحقين مشردين، يلاحقهم جلاوزة الرشيد أينما حلوا. أما الأكفاء من الاخرين، فالظاهر أن أحدا منهم لم يجرؤ وقد عرف عداء الرشيد للكاظم عليه السلام على التعرض لسخط هارون من خلال مصاهرته للإمام الكاظم عليه السلام، كما ندرك الحكمة التي جعلت الإمام الكاظم عليه السلام وهو العارف بهذا الظرف العصيب يخصص أرضا معينة لتوزع عائداتها على بناته إن فقدن المعيل الذي يعيلهن. و يبقى أمر عدم زواج السيدة المعصومة، وأغلب أخواتها الأخريات من بنات الإمام الكاظم عليه السلام أحد الشواهد على الظلم والإرهاب اللذين تعرض لهما أهل البيت عليهم السلام في زمن العباسيين عامة، وفي عصر الرشيد على وجه الخصوص.

الأحاديث المروية عنها

روي عن فاطمة المعصومةعليها السلام مجموعة من الروايات كحديث الغدير[١٥] وحديث المنزلة[١٦] وحديث حب ال محمد،[١٧] وفي فضل الإمام علي عليه السلام وشيعته.[١٨]وغير ذلك من الأحاديث.

هجرتها الى إيران ووصولها الى مدينة قم

قال صاحب تاريخ قم: «إنه لما أتى المأمون بالرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200 من الهجرة، خرجت فاطمةعليها السلام أخته تقصده في سنة 201 ه [١٩] وروي أن فاطمة المعصومةعليها السلام لما تلقت كتاب أخيها الرضا عليه السلام استعدت للسفر نحو خراسان.[٢٠] فخرجت مع قافلة تضم عددا من إخوتها وأخواتها وأبناء إخوتها، وعندما وصلوا إلى مدينة ساوة الإيرانية تعرضت القافلة لهجوم، فقتل على إثره إخوتها وأبناء إخوتها فمرضت السيدة فاطمةعليها السلام بعد مشاهدتها لهذا المنظر المأساوي والجثث المضرجة بدمائها.[٢١] فأمرت خادمها بالتوجه بها إلى مدينة قم.[٢٢] و في رواية أخرى أنه لما وصل خبر مرضها إلى قم، استقبلها أشراف قم (ال سعد)، وتقدمهم موسى بن خزرج، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها، وجرها إلى منزله.[٢٣] وقد أرخت بعض المصادر المتأخرة ذلك في الثالث والعشرين من ربيع الأول. [٢٤] فكانت في دار موسى بن خزرج سبعة عشر يوما أمضتها بالعبادة والابتهال إلى الله تعالى.[٢٥]

مصلى السيدة المعصومة

ما يزال المحراب الذي كانت السيدة فاطمة تصلي فيه في دار موسى بن خزرج ماثلا إلى الان، يقصده الناس لزيارته والصلاة فيه. وقد جددت عمارته خلال السنوات الأخيرة، وشيدت إلى جانبه مدرسة لطلبة العلوم الدينية تعرف ب «المدرسة الستية» أو «بيت النور».[٢٦] يقع المحراب في الشارع المجاور للصحن الشريف، ويعرف بشارع «جهار مردان» على يسار الذاهب من الروضة الفاطمية، وهو مزدان بالقاشاني المعرف، وعلى مدخله أبيات بالفارسية، تعريبه: لقد شيد هذا البناء المنير إجلالا لبنت موسى بن جعفر، حيث مثل فيه محراب فاطمة المعصومة، فزادت به «قم» شرفا على شرف.

وفاتها

لم تسجل المصادر التاريخية القديمة تاريخ وفاتها إلا أن المصادر المتأخرة سجلت ذلك في العاشر من ربيع الثاني من سنة 201ه عن عمر ناهز الثامنة والعشرين.[٢٧] ومنهم من ذهب الى أن وفاتها كانت في 12 من ربيع الثاني.[٢٨] و لما توفيت فاطمةعليها السلام وغسلت وكفنت، حملوها إلى مقبرة بابلان والتي تعود ملكيتها الى موسى بن خزرج، ووضعوها على سرداب حفر لها، فاختلف ال سعد في من ينزلها إلى السرداب، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له قادر، فلما بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما اللثام، فلما قربا من الجنازة نزلا، وصليا عليها، ثم نزلا السرداب، وأنزلا الجنازة، ودفناها فيه، ثم خرجا، ولم يكلما أحدا، وركبا، وذهبا، ولم يدر أحد من هما.[٢٩] وبنى عليها موسى بن خزرج سقيفة من البواري، فلما كانت سنة 256 هجرية جاءت زينب بنت محمد بن علي الجواد عليه السلام لزيارة قبر عمتها فبنت عليها قبة.[٣٠]

مزار السيدة المعصومة عليها السلام

يرجع تاريخ القبة الحالية على قبر السيدة المعصومة إلى سنة (529ه)، حيث بنيت بأمر من المرحومة (شاه بيكم بنت عماد بيك). أما تذهيب القبة وبعض الجواهر التي رصع بها القبر الشريف، فهي من اثار فتح علي شاه القاجاري. وفوق قبر السيدة فاطمة صخرة عليها نقش كهيئة المحراب، تحيط به اية الكرسي، وكتب في وسطه «توفيت فاطمة بنت موسى في سنة إحدى ومائتين».

فضل زيارتها

ورد عن المعصومين عليه السلام ما يدل على فضل زيارتهاعليها السلام، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إن لله حرما وهو مكة، وإن للرسول صلى الله عليه واله وسلم حرما وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين عليه السلام حرما وهو الكوفة، وإن لنا حرما وهو بلدة قم».[٣١] وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: «ستدفن فيه – أي: في قم- امرأة من ولدي تسمى فاطمة بنت موسىعليها السلام يدخل الشيعة الجنة بشفاعتها».[٣٢] وفي رواية أخرى أن زيارتها تعادل الجنة.[٣٣] وروي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: «من زارها كمن زارني».[٣٤] وعنه أيضا: «من زارها فله الجنة».[٣٥] وروي عن الإمام الجواد عليه السلام أنه قال: «من زار قبر عمتي بقم عارفا بحقها فله الجنة».[٣٦][٣٧]

الهوامش

1 - مستدرك سفينة البحار، ج 8، ص 261.
2 - الإرشاد، ج 2، ص 244.
3 - تذكرة الخواص، ص 315.
4 - دلائل الإمامة، ص 309.
5 - أنوار المشعشعين، ج 1، ص 211.
6 - دار السلام، ج 2، ص 170.
7 - المجلسي، زاد المعاد، ص 547.
8 - مهدي بور، كريمة أهل البيت (ع)، ص 43.
9 - تواريخ النبي والآل، ص 65.
10 - منتهى الآمال، ج 2، ص 378.
11 - كريمه أهل الـ بيت، ص 63 و64 نقلاً عن كشف اللئالي.
12 - تاريخ اليعقوبي، ج 3، ص 151.
13 - حياة الإمام موسى بن جعفر، ج2، ص 497.
14- الكافي، ج 1، ص 317.
15 - الغدير، ج 1، ص 107.
16 - الغدير، ج 1، ص 107.
17 - العوالم، ج 21، ص 354.
18 - بحار الأنوار، ج 65، ص 76.
19 - الغدير، ج 1، ص 170.
20 - من لا يحضره الخطيب، ج 4، ص 461.
21- قيام [الـ] سادات [الـ] علويـ [ين]، ص 160.
22 - تاريخ قم، ص 163.
23 - بحار الأنوار، ج 48، ص 290.
24 - حضرت[السيدة الـ] معصومة، فاطمة دوم [الثانية]،ص111.
25 - منتهي الآمال، ج 2، ص 379.
26 - منتهي الآمال، ج 2، ص 379.
27 - انجم فروزان[الثاقبة]، ص 58 – كنجينه آثار قم، ج 1 ص 386.
28 - مستدرك سفينة البحار، ص 257.
29 - تاريخ قم، ص 166. بحار الأنوار، ج 48، ص 290.
30 - منتهى الآمال، ج 2، ص 379.
31 - بحار الأنوار، ج 48، ص 317.
32 -  مستدرك سفينة البحار، ص 596. النقض، ص 196.
33 - بحار الأنوار، ج 57، ص 219.
34 - رياحين الشريعة، ج 5، ص 35.
35 - عيون أخبار الرضاعليه السلام، ج 2، ص 271. مجالس المؤمنين، ج 1، ص 83.
36 - كامل الزيارات، ص 536، ح 827.
37 - بحار الأنوار، ج 102، ص 266.

 


طباعة   البريد الإلكتروني