معنى الشيعة

(وقت القراءة: 2 - 4 دقائق)

لم أنس أني أول ما تعرفت على المعنى الدقيق لكلمة « الشيعة » هو عن طريق أحد أساتذتي ، إذ قصدته بعض الأيام لأسأله عن ذلك ، فقلت : أيها الشيخ الكريم ، قد قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولٰئك كان عنه مسئولا ) (۱) ، وقد واجهت بعض الأسئلة حول الشيعة ، فأحببت أن استفيد منكم شيئا في هذا المجال وعن المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة « الشيعة » ؟

أجاب الشيخ قائلا : الشيعة في اللغة بمعنى الأنصار والأتباع ، قال تعالى : ( وإن من شيعته لإبراهيم ) (۲) ، وقال تعالى : ( هٰذا من شيعته وهٰذا من عدوه ) (۳).

ولو راجعنا كتب اللغة لوجدناها تتفق على هذا المعنى.

جاء في لسان العرب : « والشيعة القوم الذين يجتمعون على الأمر ... وقد غلب هذا الاسم على من يتولى عليا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنه منهم » (٤).

وقال في تاج العروس : « وكل من عاون إنسانا وتحزب له فهو له شيعة قال الكميت : ومالي إلا أحمد شيعة ... ».

وقال الأزهري : « الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه واله وسلم ويوالونهم » (٥).

فلفظ الشيعة والشيع والأشياع الوارد في القران الكريم قد استعمل في معناه اللغوي العام الذي أشارت إليه الكتب اللغوية.

أما معنى الشيعة في الاصطلاح فهو اسم يطلق على فريق من المسلمين يعتقدون بأن قيادة الأمة الإسلامية هي من حق علي وأبنائه المعصومين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

ولا بأس بإلقاء نظرة على تعريف بعض العلماء والمحققين للشيعة :

قال الشهرستاني : « الشيعة هم الذين شايعوا عليا رضي الله عنه على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية » (٦).

وقال ابن حزم : « ومن وافق الشيعة في أن عليا رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي ... » (۷).

وقال أبو الحسن الأشعري : « وإنما قيل الشيعة ؛ لأنهم شايعوا عليا ، ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله » (۸).

ومن خلال التمعن في مجموع هذه التعاريف (۹) ، التي تعد من أبرز التعاريف التي ذكرت للشيعة ، نستطيع أن نستخلص مجموعة من الأمور الدخيلة في بيان معنى التشيع ، وبلورة مفهومه بشكل واضح ، وهي :

١ أن التشيع يعني تولي أمير المؤمنين علي عليه السلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه كيفما دار » (۱۰).

وجاء في سنن الترمذي بنفس المعنى عن رسول الله أنه قال : « إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي » (۱۱).

وفيه أيضا : « من كنت مولاه فعلي مولاه » (۱۲).

٢ إن النص الذي يعتقده الشيعة في أمير المؤمنين عليه السلام على قسمين :

إما أن يكون نصا جليا أو نصا خفيا ، وقد عرفها شيخ الطائفة الطوسي بقوله : « ثم النص ينقسم قسمة أخرى على ضربين : أحدهما تفرد بنقله الشيعة الإمامية خاصة وإن كان في أصحاب الحديث من رواه على وجه نقل أخبار الاحاد وهو النص الجلي ، والاخر المؤالف والمخالف وتلقاه جميع الأمة بالقبول على اختلاف ارائهم ومذاهبهم. ولم يقدم أحد منهم على جحده وإنكاره ممن يعتد بقوله ، وإن اختلفوا في تأويله ، والمراد منه وهو النص الخفي ... » (۱۳).

٣ إن المغالاة في أمير المؤمنين عليه السلام أو في أحد من أهل بيته عليهم السلام لا تنسجم مع معنى التشيع والاتباع ، بل هي خروج عنه من الأساس.

الهوامش

۱. الإسراء (١٧) : ٣٦.

۲. الصافات (٢٧) : ٨٣.

۳. القصص (٢٨) : ١٥.

٤. لسان العرب ، ابن منظور ٨ : ١ (٨٨) ١٨٩ « شيع ».

٥. تاج العروس ، الزبيدي ١١ : ٢٥٧ « شيع » ، وراجع معنى الشيعة في الصحاح للجوهري ٣ : ١٢٤ « شيع » ، القاموس المحيط ٣ : ٤٧ « شيع » ، مجمع البحرين ٢ : ٥٧١ « شيع ».

٦. الملل والنحل ١ : ١٤٦.

۷. الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ : ٩٠.

۸. مقالات الإسلاميين : ١ : ٢.

۹. وانظر تعاريف الشيعة في « فرق الشيعة » للنوبختي ص ١٧ ١٨ ، هوية التشيع ، الدكتور أحمد الوائلي ١١ ١٢ ، الشيعة في الميزان ، محمد جواد مغنية : ١٥ . دائرة معارف القرن العشرين ، فريد وجدي : ٥ : ٤٢٤ ٤٢٥.

۱۰. وهذا النص يعرف بنص الغدير ، وهو صحيح ومشهور جدا مسند أحمد ١ : ١١٩ و ١٥٢ و ٣٣١ و ج ٤ : ٢١٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢ و ج ٥ : ٣٤٧ وسنن ابن ماجة ١ : ٤٥ الحديث ١٢١ وفضائل الصحابة للنسائي : ١٤ والمستدرك على الصحيحين ٣ : ١٠٩ و ١١٠ و ١١٦ و ١٣٤ و ٣٧١ و ٥٣٣ ومجمع الزوائد للهيثمي ٧ : ١٧ وج ٩ : ١٠٣ باب « قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه » وفتح الباري لابن حجر ٧ : ٦١. وقد صححه الألباني ، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ج ٤ ، الحديث ١٧٥٠ ، حول هذا الحديث يقع في أحد عشر مجلدا بعنوان « الغدير » فراجع.

۱۱. سنن الترمذي ٥ : ٢٩٦ ، ح ٣٧٩٦ ، وقال الفيروزابادي في « فضائل الخمسة » ٢ : ٣ ، وأحمد في مسنده ٤ : ٤٣٨ باختلاف يسير ، وأبو داود في سننه : ١١١ ، وأبو نعيم في حليته : ٦ : ٣٢٠ الحديث ٨٧٨٣ ، والنسائي في خصائصه ٨٧ ٨٨ و ...

۱۲. سنن الترمذي ٥ : ٢٩٧ الحديث ٣٧٩٧.

۱۳. تلخيص الشافي ٢ : ٤٦.


طباعة   البريد الإلكتروني