عقائد الدروز

(وقت القراءة: 5 - 10 دقائق)

وقد تناولت دائرة المعارف الاِسلامية بعد أن استعرضت شيئاً من أحوالهم ومواطنهم وعاداتهم وحرفهم جانباً من أبرز جوانب عقيدتهم، وهو اعتقادهم بإلوهية الحاكم، ما هذا نصّه:1. اعتقادهم بإلوهية الحاكم؛ وقد قام مذهب الدروز علي فكرة أنّ اللّه قد تجسد في الاِنسان في جميع الاَزمان وهم يتصورون أنّاللّه ذاته أو علي الاَقل القوة الخالقة تتكون من مباديَ متكثرة يصدر الواحد منها عن الآخر ويتجسد مبدأ من هذه المباديَ في الاِنسان.فالخليفة الحاكم وفقاً لهذه العقيدة يمثل اللّه في وحدانيته وهذا هو السبب في أنّ حمزة قد أطلق علي مذهبه اسم مذهب «التوحيد» وهم يعبدون الحاكم ويسمّونه «ربنا» ويفسرون متناقضاته وقسوته تفسيراً رمزياً، فهو آخر من تجسد فيهم اللّه. وهم ينكرون وفاته ويقولون إنّه إنّما استتر وسيظهر في يوم ما وفقاً للعقيدة المهدوية.

ويلي الحاكم في المرتبة خمسة أئمّة كبار تتجسد فيهم المباديَ التي صدرت عن اللّه:

فالاَوّل: تجسيد للعقل الكلي، وهو حمزة بن علي بن أحمد الزوزني الملقب ب«العقل» ويرمز له ب«الاَخضر» وهو الاِمام الاَعظم وآدم الحقيقي.

والثاني: تجسيد للنفس الكلية وهو إسماعيل بن محمد بن حامد التميمي الملقب ب«النفس» ويرمز له ب« الاَزرق» وهو صهر حمزة ووكيله في الدين.

والثالث: تجسيد للكلمة التي خرجت من النفس عن طريق العقل، وهو محمد بن وهب القرشي الملقب ب «الكلمة» ويرمزر له ب«الاَحمر» وهو سفير القدرة والشيخ الرضي.

والرابع: السابق وهو سلامة بن عبد الوهاب السَّمُري الملقب ب «السابق» ويرمز له ب «الاَصفر» أو«الجناح الاَيمن».

الخامس: التالي وهو بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموكي الملقب ب «التالي» أو «الجناح الاَيسر» ويرمز له ب«البنفسجي» وهو آخر الحدود الخمسة وبه انغلقت الدعوة الدرزية وصارت سرية لا علنية.

و يلي هوَلاء الاَئمّة الكبار آخرون أدني منهم مرتبة موزعون علي ثلاث طبقات وهم: الداعي، والمأذون، والمكاسر و يعرف أيضاً بالنقيب. ويعرف الداعي كذلك بالعمل،والمأذون بالفاتح.

ومعرفة ذات اللّه وصفاته وتجلياته في سلسلة المباديَ المتجسدة في الاَئمّة وهي عقائد هذا المذهب. وتتلخص آدابه في سبعة أركان تقوم مقام أركان الاِسلام وهي:

1. حب الحقّ (بين الموَمنين دون غيرهم).

2. حفظ الاِخوان (الدروز).

3. التبروَ من العقيدة التي كان يدين بها الدرزي من قبل.

4. الابتعاد عن الشيطان وعن الضالين والاَبالسة.

5. التوحيد للحاكم في كلّعصر ومكان.

6. الرضا عن أفعال «ربنا» الحاكم أياً كانت.

7. الخضوع التام لاِرادته كما تتجلّي في أئمته علي ما هو مفهوم.

و هذه القواعد واجبة الطاعة علي كلّ درزي رجلاً كان أو امرأة.[1]

وقد قام بعض الباحثين بتأليف رسالة خاصة بعقائدهم أشار فيها إلي جوانب أُخري منها غير ما نقلناه آنفاً وإليك نصّ المقال بتلخيص وتصرّف:
2. التحريف الواضح للقرآن وانّ الاَنبياء أبالسة جاءوا للظاهر

كانت عقيدة الدروز باديَ بدء توَمن بالقرآن وانّه من العلي الاَعلي كما توَمن بالنبي محمد - صلّي الله عليه وآله وسلّم - وبقية الاَنبياء كموسي وعيسي وإبراهيم - عليهم السّلام- و تجلّهم كثيراً، لكن بعد ذلك صارت هذه العقيدة لا توَمن باللّه إلاّ بالحاكم ولا بالاَنبياء بل تعدهم أصل الظاهر يحرفون الناس عن الباطن والحقيقة، واستطاع (حمزة بن علي) أن يجمع من متفرقات كثيرة حتي يكتب (المصحف المنفرد بذاته) أو كثيراً من رسائل الحكمة والتي صارت فيما بعد العقيدة الدرزية.

و يتظاهرون في المجتمع الاِسلامي بأنّهم مسلمون وينسبون أنفسهم إلي الاِسلام وقد يحفظون بعض آيات القرآن والتي وردت في «المصحف المنفرد بذاته» ويتظاهرون بإيمانهم بالقرآن والاَنبياء، وقد يعطون الرسائل الاَربعة الاَُولي لرسائل الحكمة التي وجدت علي قبر الحاكم بأمر اللّه الفاطمي وذلك للتمويه والتظاهر بانتسابهم إلي الاِسلام.

لكنّهم يوَوّلون ما جاء في ذلك إلي مبني مباين ومغاير تماماً فالمسيح الحقّ هو حمزة، وبسم اللّه الرّحمن الرّحيم هي حدود حمزة، والجنة التوحيد، والنار هي الشرك، والصدق هم أنبياء الحقّ، والكذب هم الاَبالسة ويقصدون بهم الاَنبياء: آدم، ثمّ نوح، ثمّإبراهيم ، ثمّموسي، ثمّ عيسي، ثمّمحمّد.


3. إيمانهم بالتناسخ واعتباره مبدأً أساسياً في عقيدتهم

يوَمنون بالتقمّص حيث تنتقل روح الاِنسان بعد موته إلي شخص آخر جديد وهكذا، ويتمسّكون أمام المسلمين بقوله تعالي: "تُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيّ"[2] ، "أَمَتّنا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْن"[3] ويوجد في «المصحف المنفرد بذاته»:

«لقد كبرت فرية تخرج من أفواه الذين جحدوا إذ قالوا لن نرجع إلي خلق جديد حتي يوم الحاقة قل اخسأوا في تقلباتكم إن تقولون إلاّكذباً».

ويعتبرون هذه الحالة وسيلة لوصول كلّ روح إلي درزي، ويتحقق بذلك المجتمع التوحيدي:إذ يعتقدون بمحدودية عدد الاَرواح، وشرار الاَرواح تتقمّص أجسام الكلاب.

و من هنا ينطلق الدروز في الاِيمان بأنّ الجسد هو الذي يموت بينما النفس تبقي خالدة والتقمّص في نظر الموحدين هو انتقال النفس بعد الموت مباشرة من جسد إنسان إلي جسد إنسان آخر والجسد هو قميص الروح وهذا القميص هو الذي يتغير عند الوفاة منتقلة إلي جسد إنسان آخر.[4]

يقول الشاعر الدرزي:


نحن الاَُلي هان الممات عليهم * الروح تبقي، والقميص يُمزّقُ

 

4. إسقاط التكاليف

أمّا الصلاة فهي ساقطة عنهم، والمقصود بها هي الصلة للقلوب مع مولاهم الحاكم.

وأمّا الزكاة فتعني: توحيد المولي الحاكم وتزكية القلوب وتطهيرها.

وأمّا الصوم فباطنه الصمت لقوله لمريم: "فَكُلي وَاشْرَبي وَ قَرِّي عَيْناً"[5] والصوم الحقيقي هو صيانة القلوب بتوحيد المولي الحاكم.
أمّا الحج فهو معرفة المولي الحاكم والبيت هو توحيد المولي، ويذكرون قول المنصور:


هلم اريك البيت توقن انّه * هو البيت بيت اللّه لا ما توهمنا

أبيت من الاَحجار، أعظم حرمة * أم المصطفي الهادي الذي نصب البينا


ويقصدون بالبيت هو توحيد الحاكم.

وأمّا الولاية فيقولون: إنّ الحاكم نسخها بقوله:(لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا للذي خلقهن) أي لا تسجدوا لعلي أو محمد، بل للحاكم وهو المشية إن كنتم إيّاه تعبدون.

كما أنّهم من القائلين بجواز الزواج من المحارم كالاَُخت وبتعدّد الزوجات وحلية شرب الخمر.


5. تفسير الشهادتين

إنّ شهادة (أن لا إله إلاّ اللّه) كلمتان دليل علي السابق والتالي.

و هي أربعة فصول دليل علي الاَصلين والاَساسين.

وهي سبع قطع دليل علي النطقاء السبعة والاَوصياء السبعة والاَيام السبعة والسماوات السبعة والاَرضين السبعة والجبال السبعة والاَفلاك السبعة.

وهي 12 حرفاً دليل علي 12 حجة أساسية.

وأمّا شهادة :(محمّد رسول اللّه) فهي 3 كلمات دليل علي 3 حدود: الناطق والتالي فوقه والسابق فوق الكلي، وهي 6 قطع دليل علي 6 نطقاء، وهي 12 حرفاً دليل علي 12 حجة، وكذلك السماء 12 برجاً و12 جزيرة.
6. تقديسهم للعجل وإظهاره في مراسمهم واحتفالاتهم

يدعي الكثير بأنّهم من عبدة العجل، والواضح في مراسمهم واحتفالاتهم ظهور صورة العجل، وفي خلواتهم يذكرون العجل بشيء من التقديس والاِجلال، كما أنّهم يحرّمون قتله وأكله.


7. تأويل غريب ومنحرف للاَحاديث الاِسلامية

كما أنّهم يذكرون روايات علي بن أبي طالب - عليه السّلام- حول المهدي ويقولون في تأويلها المقصود به المهدي باللّه (أوّل خلفاء الدولة الفاطمية).

ويدّعون أنّ الحاكم سيرجع في آخر الزمان ليدين العالم ويبدد أعداءه من أمام وجهه، ويبسط ملكه علي العالم،و تسبق رجعة الحاكم رجعة حمزة ليعدَّ لمجيء الاِله الحاكم ويحطم الاَضداد والاَبالسة المرتدين ويكسر الصلبان، ويهدم الكعبة التي يعتبرونها «مقطرة الكفرة» يقتل علوج الضلال وقود الزنج في الاَغلال ونسخ الشرائع والطرائق، وظهور الحقائق وسبي النساء والاَطفال وذبح الرجال بسيف الحاكم علي يد عبده القائم الناطق حمزة بن علي، فينصر مستجيبيه بعساكره الجرارة فيحيي كل البشر تحت رايته.

هذه هي أبرز سمات عقيدة الدروز والتي تعتبر السرية ركناً أساسياً لها خوفاً من المتطفلين كما أنّ كشفها قد يعرضها إلي إساءة فهمها ثمّ الاستهزاء بها وهذا يجر صاحبها إلي الهلكة.

كما أنّلهذه الفرقة طقوساً خاصة بهم.

منها: الميثاق: وهو انّ كلّ من يكتمل ويصل لسن الاَربعين عليه أن يعرض دينه بحضور شاهدين ويقسم ومما يقوله:
«آمنت باللّه ربّي الحاكم...و بجميع الحدود... وقد سلمت نفسي وذواتي ظاهراً وباطناً، علماًو عملاً، وأنا أُجاهد في سبيل مولانا سراً وعلانية بنفسي ومالي وولدي، واشهد مولاي هادي المستجيبين المنتقم من المشركين المرتدين حمزة بن علي بن أحمد من به أشرقت الشمس الاَزلية ونطقت فيه وله السحب الفضلية انّني قد تبرأت وخرجت من جميع الاَديان والمذاهب والمقالات والاعتقادات قديمها وحديثها، وآمنت بما أمر به مولانا الحاكم وأقر بأنّك أنت الحاكم الاِله الحقيقي المعبود والاِمام الموجود جلّذكرك».[6]

و منها: الخلوة : وهي أماكن اجتماعهم في جلساتهم الدينية في ليالي الجمع ويحضرها كبارهم العقال فقط ويقودها شيخ العقل أو أكبرهم علماً.[7]

ولعلّ ما نقلناه عن الباحثين سلط ضوءاً علي جوانب من حياتهم وآدابهم وعقائدهم غير أنّ الكاتب خير الدين الزركلي ذكر في كتابه «الاَعلام» اتصاله ببعض المثقفين من الدروز وأخذ عنهم شيئاً من عقائدهم ولاِكمال الفائدة ننقل ما جاء في موسوعته، قال:

كنت قد جمعت طائفة من النصوص والمصادر للرجوع إليها عند كتابة هذه الترجمة، ومنها ما جاء في دائرة المعارف البريطانية 8:603 606 مادة «دروز» ودائرة البستاني «دروز» وعرضتها علي صديقي الشهيد «فوَاد سليم» وهو من مثقفي المنسوبين إلي المذهب الدرزي، فقال: إنّ في الدائرتين البريطانية والبستانية أغلاطاً، وصحّح ما أخذته عنهما منها. وأضاف من عنده زيادات مما اشتملت عليه الحاشية السابقة.و أطلعت بعد ذلك صديقي أيضاً «فوَاد حمزة» وهو من أُسرة درزية معروفة في لبنان، وكان يومئذٍ في الرياض بنجد وانقطعت صلته بالعقيدة التي نشأ عليها، كما ذكر لي مراراً، وسألته عن رأيه في الترجمة والحاشية، فكتب لي: «هذا أصحّ ما كتب في الموضوع حتي الآن، وهو في الحقيقة ما يذهب إليه الجماعة » ثمّقال في رسالة أُخري: «إنّ بعض الرسائل المقول إنّها لحمزة هي لغيره. وأكثر ما كتب هو من قلم علي بن أحمد السموقي الملقب ببهاء الدين. وكتب الدروز الستة هي من وضع أربعة أشخاص:

الاَوّل: الحاكم نفسه، وعدد رسائله قليل، منها «الميثاق» و«السجل» الذي وجد معلقاً علي المساجد.

والثاني: حمزة، والرسائل التي تركها غير كثيرة.

والثالث: إسماعيل بن محمد التميمي الداعي المكنّي بصفوة المستجيبين وبالنفس، فله بعض الرسائل ومنها شعر اسمه«شعر النفس» وهو كملحمة.

والرابع: بهاء الدين الصابري أي علي بن أحمد السموقي، وله معظم الرسائل، وهو الذي نشر الدعوة ووطد أركانها أكثر ممن سبقه.

وقال في رسالة ثالثة: «لا شكّ في أنّ الحسن بن هاني كان من كبار الباطنيين، ولكنّه باطني في مبتدأ نشوء الدعوة قبل أن تدرك مبلغها الذي عرفت به في عصر الحاكم الفاطمي.و من الواضح أنّ الحاكميين كانوا آخر من انشق عن الاِسماعيلية ولذلك تجد في كتابات الفريقين مصطلحات واحدة، كالناطق، والاَساس، وداعي الدعاة، والنقباء، والمكاسرين، والعقل، والنفس الخ البانثيون الباطني».

وقال في رسالة رابعة: «لقد كثر الكتاب في موضوع الاِسماعيليّة والفرق الباطنية كما كثر فيه الخلط من جانب الذين كتبوا.

والموضوع من الوجهة التاريخية جدير بالعناية لاَنّ هذه الفرق الباطنية هي التي أعملت معولها في بنيان الاِسلام تحت ستار من الغيرة الدينية.وقد قرأت عن ذلك الكثير ولكن معظم الكتاب لم يتمكّنوا من بلوغ الهدف. إذ أنّ معرفة حقائق الدعوات الباطنية لا تتيسر إلاّ لمن كان مطلعاً علي التاريخ الاِسلامي بوقائعه الظاهرة وكان في نفس الوقت من جماعة الداخلين في العملية.وقد تكون كتابات بطرس البستاني وكتابات دائرة المعارف البريطانية مهمة ولكن كما ذكرت لك يصعب علي من كتب أن يتفقه كنه الدعوة مادام لا يعرف حقيقتها السرية وتفسيراتها الداخلية.[8]


[1] . دائرة المعارف الاِسلامية: 9|217 218.

[2] . آل عمران:27.

[3] . غافر: 11.

[4] . محمد كرد علي: خطط الشام: 6|265.

[5] . مريم: 26.

[6] . رسائل الحكمة:1|47، الرسالة رقم 5.

[7] . نقل بتصرف من رسالة فرقة الدروز، للسيد نبيل الحيدري.

[8] . الاَعلام: 2|279.

 منبع : بحوث في الملل و النحل، ج 8 , جعفر السبحاني


طباعة   البريد الإلكتروني