ما هی الواقفیة

(وقت القراءة: 15 - 29 دقائق)

shiatالواقفية، هم الجماعة الذين توقفوا عند إمامة موسى الكاظم حين وفاته، ولم يؤمنوا بإمامة ولده علي بن موسى الرضا ، بل قالوا إنّ الإمام الكاظم حيّ يرزق، وأنّه هو القائم من آل محمد ، وأنّ غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه، وأنّه لم يمت وإنما يعيش في الغيبة وسيرجع حينما يأذن الله له، وهذه الجماعة هم الذين يُدْعَوْنَ بالواقفة؛ لأنّهم وقفوا عند إمامة موسى بن جعفر ولم يتجاوزوه إلى غيره ، خلافاً للشيعة الإمامية القائلون بإمامة الأئمة الاثني عشر، ولم تكن هذه الفرقة ناشئة عن محض شبهة اعتقادية واقتناع بواقعيتها، أو بسبب فهم خاطئ لبعض المباني، بل غالبيتهم انطلقوا في معتقدهم من رغبات مادية وعوامل دنيوية أثّرت في نفوس معتنقيها، فانحرفت بهم إلى هذا الطريق، فالمتطلع في الروايات والتاريخ وكتب الرجال، يلمس أن أبرز الدوافع في نشوء هذه الفرقة والترويج لها، هو أنّ بعض وكلاء الإمام موسى بن جعفر الكاظم وخزنة أمواله التي تُجبى له من شيعته، طمعوا فيما كان بأيديهم من الحقوق الشرعية والأخماس، ومن أبرزهم، علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي.

مفهوم الوقف والواقفية

تُطلق الكتب الرجالية والتاريخية مفردة الواقفية على طائفة من النّاس يحملون توجهات مذهبية خاصة ، ويتكرر هذا الاسم كثيراً في كتب الفرق و المذاهب وخاصة الشيعية منها ، ويراد به الذين توقفوا في- مراحل تاريخية كثيرة- على إمامٍ من أئمة الشيعة ، من قبيل السبئية والكيسانية والناووسية . " فقد استعمل الشيخ الصدوق على سبيل المثال عبارة "الواقفة على أمير المؤمنين"، و"الواقفة على موسى، و"الواقفة على أبي عبد الله " في معرض نقله للحوار بين ابن قبه وأبي زيد العلوي[1] وجاء في موضع آخر " الواقفة على الحسن بن علي بن محمد " إشارة إلى القائلين بأن الحسن العسكري هو الإمام المهدي القائم وأنّه لم يمت بل غاب وسيعود مرّة أخرى.[2]

وممن استعمل مفردة الواقفية النوبختي في كتابه فرق الشيعة ، معتبراً أنّه مفهوم يراد به الوقوف على أيّ إمام من الأئمة الا أنّه يطلق بنحو خاص على الواقفين على إمامة الإمام موسى بن جعفر ، قائلا: كل من مضى منهم- يعني من الأئمة - فله واقفة قد وقفت عليه، وهذا اللقب - أي الواقفية - لأصحاب موسى بن جعفر خاصّة.[3]

أصناف الوقف

اتفق الباحثون والمحققون المتأخرون على أنّ الوقف على الأئمة ينقسم إلى نحوين : وقف بالمعنى العام، ووقف بالمعنى الخاص.

    أما الوقف بالمعنى العام: فهو كل وقف على إمام من الأئمة من قِبَل الناس الآخرين .

    أما الوقف بالمعنى الخاص: فهو الوقف على الإمام موسى بن جعفر خاصّة .

وقد أشار الوحيد البهبهاني إلى ذلك بقوله : الواقفية، وهم الذين وقفوا عند الكاظم كما هو معروف من هذا اللفظ حيثما يطلق، وربّما يطلق على من توقف على أحد الأئمة الآخرين.... الا أنّ الإطلاق ينصرف إلى من توقفوا على إمامة الكاظم خاصّة ، إلاّ مع وجود قرينة صارفة إلى غيرهم .[4]

جذور ظاهرة الوقف

تعود جذور القول بالوقف في الوسط الاسلامي إلى اليوم الذي توفي فيه الرسول الأكرم ، فقد ذكرت بعض المصادر أنّه :

لما قبض رسول الله أقبل عمر بن الخطاب يقول: والله ما مات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عن قومه وإنّه سيظهر بعد غيبته ، فمازال يردد هذا القول ويكرره حتى ظن الناس أنّ عقله قد ذهب [5]، وعلى أي محمل حمل كلام عمر هذا وأي مبرر وغاية ساقته لذلك ، يبقى أنّه أوّل من أطلق فكرة الوَقف في الاسلام ، وهذه الفكرة وإن رفضت في حينها وفُندت إلاّ أنّ القول بها لم يتوقف على مر التاريخ فقد شهد تاريخ الفرق و المذاهب الإسلامية نماذج من ذلك.

الوقوف على أمير المؤمنين

يقال أنّ أوّل من روّج للوقف بمعناه الخاص في الوسط الإسلامي هو عبد الله بن سبأ ، فقد ذكر الأشعري أنّه كان هو وأصحابة من الغلاة ، فلمّا علم الإمام علي بهم عاقبهم على قولهم هذا[6] .

ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صُرّة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنّه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض ، ثم ذهب هو وأصحابه إلى دار الإمام وطلب الإذن بالدخول ، فلمّا أُخبر بموت الإمام أخذ يردد نفس ما قاله من نفي موته و...[7]

وقال صاحب مقالات الاسلاميين : السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أنّ عليّاً لم يمت ، وأنّه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنّهم يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا . [8]

إلاّ أنّ وجود عبد الله بن سبأ وقع موقع الشك بل الرفض من بعض المحققين الكبار منهم طه حسين الذي وقف موقف المتحفظ قائلا في كتابه الفتنة الكبرى [9]: وأكبر الظنِّ أنّ عبد الله بن سبأ هذا ، إنّما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة ، وعظم الخلاف ، فهو قد استغلَّ الفتنة ولم يثرها . إنّ خصوم الشيعة أيّام الأُمويّين و العباسيّين، قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته ، من ناحية ، وليشنعوا على عليّ و شيعته من ناحية أُخرى ، فيردوا بعض مُتبنّيات الشيعة إلى يهوديٍّ أسلم كيداً للمسلمين ، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة ؟!.

وقد صنّف السيد مرتضى العسكري كتابا يقع في مجلدين أثبت فيه بطلان مزعمة ابن سبأ وتوصل إلى كونه شخصية أسطورية لا واقع لها ، وهذا المعنى توصل إليه الدكتور عبد العزيز الهلابي في الحولية الثامنة من حوليات جامعة الكويت تحت عنوان عبد الله بن سبأ .

الوقوف على الإمام الباقر

لقد وردت الأخبار بحدوث هذه الفرقة منذ أيام الإمام الباقر زاعمين أنّه الإمام القائم المنتظر ومستندين في ذلك إلى بعض الروايات.

وقد ذكرهم البغدادي تحت عنوان الباقرية ، قائلا: الباقرية ، منهم قوم ساقوا الإمامة من علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه) في أولاده إلى محمد بن علي المعروف بالباقر وقالوا: .... ونصّ زين العابدين على إمامة محمد بن علي المعروف بالباقر ، وزعموا أنّه هو المهدي المنتظر.[10]

وذكرهم الشهرستاني بقوله : الباقرية و الجعفرية الواقفة أتباع محمد الباقر بن علي زين العابدين وابنه جعفر الصادق قالوا بإمامتهما و إمامة والدهما زين العابدين، إلا أنّ منهم من توقّف على واحد منهما وما ساق الإمامة إلى أولادهما. وانهم يؤمنون بالرجعة.[11]

الوقوف على الإمام الصادق

وهناك من الشيعة من توقف عند إمامة الإمام الصادق زاعمين أنّه حيّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً لأنّه القائم المهدي ، وهذه الفرقة تسمّى الناووسية ، وإنما سمّيت بذلك لأنّ رئيسهم في هذه المقولة رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس .[12]

الوقوف على الإمام الحسن العسكري

ذكرت المصادر الرجالية وكتب الملل والنحل أنّ ظاهرة الوقف استمرت بعد الإمام موسى بن جعفر الكاظم ، فمنهم من توقف على إمامة الحسن العسكري ، زاعمين أنّه لم يمت وإنما غاب عن الانظار .

وقد أشار الشيخ الصدوق إلى هذا الجماعة بقوله : ثم ادّعت الواقفة على الحسن بن علي بن محمد أنّ الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها ، وأنّه القائم المهدي [13].

وقال النوبختي : فافترق أصحابه-يعني الإمام العسكري - بعده أربع عشرة فرقة، ففرقة منها قالت : إن الحسن بن علي حيّ لم يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر ، لأنّ الأرض لا تخلو من إمام وقد ثبتت إمامته ، وقالوا فيه ببعض مقالة الواقفة على موسى بن جعفر ، وإذا قيل لهذه الفرقة ما الفرق بينكم وبين الواقفة ؟ قالوا : إنّ الواقفة أخطأت في الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته لأنّه توفّي عن خلف قائم أوصى إليه وهو الرضا وخلف غيره بضعة عشر ذكراً ، وكل إمام ظهرت وفاته كما ظهرت وفاة آبائه وله خلف ظاهر معروف فهو ميّت لا محالة وإنما القائم المهدي الذي يجوز الوقوف على حياته من ظهرت له وفاة عن غير خلف فيضطر شيعته إلى الوقوف عليه إلى أن يظهر ، لأنّه لا يجوز موت إمام بلا خلف فقد صح أنّه غاب ، ومنهم من قال برجعة الإمام العسكري .[14]

الوقوف على ابناء الأئمة

رصد التاريخ الاسلامي وقوف بعض الجماعات على إمامة بعض ابناء الأئمة ، وتقع الكيسانية في مقدمة تلك الفرق التي سجلتها المصادر التاريخية ، وهم الذين قالوا- حسب تلك المصادر- بإمامة محمد بن الحنفية و مهدويته وأنّه القائم المنتظر ، وتوقفت جماعة على إمامته بعد وفاته زاعمين أنّه غاب وسيعود مرّة أخرى.[15]، وقد ظهر في وسط الكيسانية فريق قالوا بأن محمد بن الحنفية لم يمت ولا يموت ولا يجوز ذلك ولكنه غاب ولا يدري أين هو وسيرجع ويملك الأرض ولا إمام بعد غيبته إلى رجوعه وهم أصحاب ابن كرب ويسمون الكربية .[16]

    وفرقة منهم قالت : إن محمد بن الحنفية مات و الإمام بعده ولده المكنى بأبي هاشم وهو أكبر ولده وإليه أوصى أبوه فسميت هذه الفرقة الهاشمية بأبي هاشم .

    وقالت فرقة مثل قول الكيسانية في أبيه بأنّه المهدي وأنه حيّ لم يمت وأنه سيرجع ، فلمّا توفي أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية تفرّق أصحابه أربع فرق .[17]

    وفرقة منهم قالت أن عبد الله بن معاوية – بن عبد الله بن جعفر- حيّ لم يمت وأنّه مقيم في جبال أصفهان لا يموت أبداً وانّه المهدي الموعود الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً.[18]

    ومن أبرز الفرق الواقفية جماعة من الزيدية قالوا بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكية ووقفوا على إمامته زاعمين أنّه حيّ وأنّه الإمام الموعود غاب وسيعود يوما ما.[19]

    وأما المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد فإنهم نزلوا معهم إلى القول بإمامة محمد النفس الزكية وتولوه وأثبتوا إمامته فلما قتل صاروا لا إمام لهم ولا وصي ولا يثبتون لأحد إمامة بعده.[20]

    أما الإسماعيلية القائلون بإمامة إسماعيل ابن الإمام الصادق ، فقد إنقسموا بدورهم بعد موت إسماعيل إلى فرقتين : فرقة زعمت أنّ الإمام بعد جعفر بن محمد الصادق ، محمد بن إسماعيل بن جعفر ، وأنكرت هذه الفرقة موت إسماعيل، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض يقوم بأمر الناس ، وأنّه هو القائم .[21]وقال فريق من الذين آمنوا بإمامة محمد بن إسماعيل إنّه هو المهدي الموعود وتوقفوا على إمامته.[22]

الوقوف عند غير الشيعة

لم تنحصر ظاهرة الوقف على الشيعة الإمامية بل يوجد لها مصاديق عند غيرهم ، فقد وقف فريق من أصحاب أبي مسلم الخراساني على إمامته وزعموا أنّه حيّ لم يمت.[23]

وهناك جماعة من أتباع العباسيين تعرف بالراوندية ذهبت إلى نفس ما ذهب إليه الفريق السابق، ثم تدرجوا في الغلو فقالوا بنبوّة أبي مسلم الخراساني ثم بإلوهيته، حاربهم المنصور العباسي وقتل جماعة منهم.[24]

الواقفية بعد شهادة الإمام الكاظم

بعد شهادة الإمام موسى بن جعفر سابع أئمة الشيعة ، وبسبب الظروف الخاصة والشروط الحاكمة على ذلك العصر ، انقسم القائلون بإمامته على فريقين:

    الفرقة الأوّل : ويمثلون غالبية الشيعة قالوا : إنّه مات في حبس السندي بن شاهك وأن الإمام بعد موسى ابنه علي بن موسى الرضا فسمّيت هذه الفرقة القطعية ؛ لأنّها قطعت على وفاة موسى بن جعفر وعلى إمامة علي ابنه بعده ولم تشك في أمرها ولا ارتابت ومضت على المنهاج الأوّل.[25]

    الفرقة ثانية : قالت –و لأسباب سنشير إليها - أنّ موسى بن جعفر لم يمت وأنّه حيّ ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلّها عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنّه القائم المهدي ، ولم يقرّوا بإمامة الرضا ، وقد انقسم هؤلاء بدورهم إلى مجموعة من الاتجاهات والفرق عرفوا كلهم بالواقفية أو الواقفة.

وهذا العنوان- الواقفة- تشترك فيه الكثير من الفرق التي مرّت الاشارة إليها ، إلاّ أنّ سعة الوقف بعد وفاة الإمام الكاظم ، واستمرار القائلين به إلى ما يقرب القرن من الزمان جعل مفردة الوقف تنصرف إليهم - الواقفة على الإمام موسى الكاظم - عند الإطلاق، فإذا أريد غيرهم فلابد من وضع قرينة تعيّن المراد.

الأسماء الأخرى للواقفية

من الألقاب التي أطلقت على الواقفية لقب الكلاب الممطورة يراد به تحقيرهم وذمهم ، وإنّما لقبوا بالممطورة ، لأن علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعض الواقفية ، ولما جُوبهوا بعناد ولجاج الواقفة وعدم الانصياع للبراهين التي ذكرت ، قال عليّ بن إسماعيل ـ وقد اشتدّ الكلام بينهم ـ : ما أنتم إلاّ كلاب ممطورة ، أراد بذالك : أنكم أنتن من الجيف ، لأنّ الكلب إذا أصابه المطر فهو أنتن من الجيف.[26] ومن هنا عُرفت هذه الفرقة بين الشيعة القطعية بالكلاب الممطورة لكن غلب عليهم لقب الواقفية واشتهروا به في الأوساط العلمية.

آراء الفرق الواقفية

القائلون بالرجعة

بعد شهادة الإمام موسى بن جعفر جزمت القطعيّة من الشيعة بموته وأنّ الإمام من بعده ولده الإمام علي الرضا ، أما الواقفية فقد انقسموا إلى فريقين :

    فريق قالوا بأنّه حيّ لم يمت ولا يموت حتّى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها كلّها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنّه القائم .

    فيما اعترف فريق آخر بأنه مات . وهؤلاء انقسموا بدورهم إلى فريقين:

        قال بعضهم إنه قد مات فعلا وإنّه القائم وأنّ فيه شبها من عيسى بن مريم ، وأنّه سيرجع في وقت قيامه فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً ، وأنّ أباه قال : إنّ فيه شبها من عيسى بن مريم ، وأنّه يقتل على يدي وُلد العباس فقد قتل.[27]

        وأنكر الفريق الثاني قتله وشهادته ولكنهم قالوا : أنّه مات ورفعه الله إليه وأنّه يردّه عند قيامه[28] . وبهذا يختلفون عن الفريق السابق بطريقة موته و رجعته .

القائلون بالغيبة

ذهب فريق من الواقفة إلى إنكار موت الإمام موسى بن جعفر وشهادته وقالوا إنّه حيّ يرزق ، إلا أنهم انقسموا في غيبته إلى عدّة اتجاهات:

    فريق قال : بأنّ الإمام موسى بن جعفر لم يمت وأنّه حيّ ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها كلّها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنّه القائم المهدي ، وزعموا أنّه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يُعلم به ، وأنّ السلطان وأصحابه ادعوا موته وموهوا على الناس وكذبوا ، وأنه غاب عن الناس واختفى ، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد أنّه قال : هو القائم المهدي فإن يُدَهْدِه رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنه القائم[29] .

    و فرقة منهم يقال لها البشيرية أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة قالت : أنّ موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس وأنّه حيّ غائب وأنّه القائم المهدي وأنّه في وقت غيبته استخلف على الأمر محمد بن بشير وجعله وصيه وأعطاه خاتمه وعلّمه جميع ما تحتاج إليه رعيته وفوّض إليه أموره وأقامه مقام نفسه ، وعليه فمحمد بن بشير هو الإمام بعده ، وأنّ محمد بن بشير لما توفي أوصى إلى ابنه سميع بن محمد بن بشير فهو الإمام ، ومن أوصى إليه سميع فهو الإمام المفترض الطاعة على الأمّة إلى وقت خروج موسى و ظهوره. [30] [31]

اللاأدريون

قالت فرقة منهم لا ندري أهو حيّ أم ميت ؟ لأنّا قد روينا فيه أخباراً كثيرة تدلّ على أنّه القائم المهدي فلا يجوز تكذيبها ، وقد ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجدّه والماضين من آبائه في معنى صحّة الخبر فهذا أيضا ممّا لا يجوز ردّه وإنكاره لوضوحه و شهرته و تواتره من حيث لا يكذب مثله ، ولا يجوز التواطؤ عليه ، والموت حق و الله  يفعل ما يشاء ، فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعلى الإقرار بحياته ، ونحن مقيمون على إمامته لا نتجاوزها حتى يصحّ لنا أمره[32] ، ومن هنا عُرفوا باللاأدريين[33] . ويظهر أنّ هذا الفريق تعامل مع القضية بموضوعيّة أفضل من الفريقين السابقين ، إلاّ أنّ دعواهم بوجود الرواية الدالّة على كون الإمام السابع هو القائم المهدي يعارضها طيف واسع من الروايات الصحيحة و المتواترة في باب المهدوية ، وعليه يتضح بطلان استنادهم إلى الرواية المذكورة.

القائلون بالغيبة بعد الرجعة

أمّا الفريق الرابع من الواقفة فقد ذهبوا إلى نظرية أخرى تختلف عن سابقاتها حيث جمعوا بين موته و رجعته و غيبته زاعمين: أنّه القائم وقد مات ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم و يظهر ، وزعموا أنّه قد رجع بعد موته إلا أنّه مختلف في موضع من المواضع ، حيّ يأمر وينهى وأن أصحابه يلقونه ويرونه ، واعتلوا في ذلك بروايات عن أبيه أنّه قال: سمّي القائم قائماً لأنّه يقوم بعد موته [34] . ومن هنا تمكنت الواقفية [35] من خلال نشرها لهذه الافكار والنظريات التغطية على دافعهم الرئيسي للوقف ، وتمكنوا من الاستمرار قرابة القرن مدّعين أنّ ما ساقوه من أدلّة وبراهين بثوها بين أصحابهم كافٍ في إثبات حقانية مدّعاهم حسب زعمهم.

أسباب نشوء الوقف و الواقفية

من الممكن إرجاع عوامل الوقف والبواعث المحركة نحوه إلى مجموعة من العوامل هي:

العوامل والأسباب الماديّة

في معرض الإجابة عن العوامل التي دعت إلى نشوء ظاهرة الوقف على إمامة موسى بن جعفر توجد روايات كثيرة تُرجع ذلك إلى البعد المادي .

وقد رصد الشيخ الطوسي أوّلَ القائلين بالوقف والسبب الذي جرّهم لتلك المزعمة قائلاً : ومنهم علي بن أبي حمزة البطائني و زياد بن مروان القندي ، و عثمان بن عيسى الرواسي ، كان عندهم أموال جزيلة ، فلما مضى أبو الحسن موسى وقفوا طمعاً في الأموال ، ودفعوا إمامة الرضا وجحدوه.[36]

وهؤلاء هم أعمدة الواقفة والمؤسسون لها ، كلهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى ، وكانت الشيعة تثق بهم وترسل لهم الأموال الشرعية لايصالها إلى الإمام ، إلا أنّ الجشعَ وحبَّ المال هيمن على نفوسهم وجرهم إلى الخيانة بعد وفاة الإمام .

    روي عن يونس بن عبد الرحمن ، أنّه قال: مات أبو الحسن وليس من قوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار قال فلما رأيت ذلك و تبين الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا ما علمت‏ تكلمت ودعوت النّاس إليه ، قال : فبعثا إليّ وقالا لي : ما يدعوك إلى هذا إن كنت تريد المال فنحن نغنيك...[37] وكانا وكيلين للإمام في العراق .

ومن الوكلاء (القوّام) عثمان بن عيسى الرواسي وكان- كما في رواية أحمد بن حماد- وكيلا للإمام بمصر وكان عنده مال كثير... [38]وقد اجتمعت تلك الأموال لدى هؤلاء عندما كان الإمام في الحبس وعدم تمكن الوكلاء من الوصول إليه [39]، فحملهم طمعهم فيما كان في أيديهم من الأموال- التي ارسلت- إليهم في مدّة حبس أبي الحسن موسى وما كان عندهم من ودائعه ، على إنكار وفاته وادعاء حياته ودفع الخليفة بعده عن الإمامة وإنكار النصّ عليه ليذهبوا بما في أيديهم مما وجب عليهم أن يسلموه إليه[40] .

وروى الكشي في معرض ترجمته لمنصور بن يونس أحد وكلاء الإمام  : قال الحسن بن موسى : ثم جحد منصور النصّ على إمامة الرضا - لأموال كانت في يده[41] .

العوامل والاسباب المعنوية

شبهات عقائدية

عادة ما تنشأ الشبهات العقائدية من فكرة مثارة أو بسبب فهم خاطئ واستنباط غير دقيق من المباني والأسس العقائدية والمصادر الدينية ، ولعل فرقة الواقفة تأثرت بشيء من ذلك ، ومن تلك الشبهات المثارة :

مسألة عمر الإمام

كان لمسألة عمر الإمام حين تصدّيه للإمامة - وخاصة في الأئمة المتأخرين بعد الإمام الرضا حيث تصدى البعض منهم وهو لم يبلغ العاشرة من عمره - لدّور الكبير في خلق ردّة فعل معاكسة وأثار شكوكا في الوسط الشيعي حول صحة إمامته .

فكان لهذا العنصر الدور الكبير- بعد وفاة الإمام الرضا - في ميل البعض من الشيعة نحو القول بالوقف ، والذي زاد في تعقيد المسألة أن الكثير من أصحاب الإمام الرضا كانوا من عليّة القوم ووجهاء الطائفة ومشايخ الاصحاب حتى أنّ البعض منهم قد أدرك إمامة الصادق مما يجعل التسليم بإمامة صبي عمره سبع سنين أمراً صعبا للغاية ومن هنا نرى بعضاً من كبار أصحاب الإمام الرضا شككوا بإمامة ولده الجواد [42] . وعلى كل حال فقد مثّل هذا العامل المبرر لبعض الشيعة في الميل نحو الوقف بعد الإمام الثامن راجعين إلى القول بإمامة موسى بن جعفر من دون تجاوز إلى إمام بعده .

قال النوبختي : وكان سبب رجوع الفرقة الأخرى إلى القول بالوقف ، أن أبا الحسن الرضا توفي وابنه محمد ابن سبع سنين فاستصبوه واستصغروه وقالوا : لا يجوز الإمام إلا بالغاً ولو جاز أن يأمر الله عز وجل بطاعة غير بالغ لجاز أن يكلف الله غير بالغ ، فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف لغير البالغ فكذلك لا يفهم أن يكون القضاء بين النّاس رغم دقّته وجلالته وغموض الأحكام والشرائع الدينية فيه ، وجميع ما أتى به النبي وما تحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة بيد صبي ، فهذا غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف[43] .

ومن هنا توقف البعض عن القول بإمامته وبقوا متمسكين بالإمام موسى بن جعفر . والجدير بالذكر أن شبهة صغر سن الإمام قد طرحها أصحاب الإمام الرضا قبل وفاته وقد أجاب الإمام عنها بقوله : إن الله  بعث عيسى ابن مريم رسولاً نبيّاً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر. يعني الجواد.[44] ومع ذلك كان للشبهة المذكورة أثرها في جرّ البعض إلى التوقف في إمامة الجواد وميلهم نحو مقولة الواقفية .

مسألة غسل الإمام

ومن الشبهات التي إستند إليها الواقفة في تبرير وقوفهم على إمامة موسى بن جعفر ما روي من " أن الإمام لا يغسله الا إمام"، ولمّا كان موسى بن جعفر قد أودع في السجن سنين طويلة ولم يكن ولده الرضا إلى جنبه حتى يتولى غسل أبيه عند وفاته ، مما يعني أنّ الرضا لم يكن إماماً معصوماً و خليفة لأبيه موسى في أمر الإمامة ،وقد ذُكر حديث "أن الإمام لا يغسله الا إمام" في الكثير من المصادر الروائية[45] .

وروى الشيخ الصدوق البعض منها في كتابه عيون أخبار الرضا نقلا عن الإمام الثامن ، ثم قال في معرض إبطاله لمذهب الواقفية وطريقة استدلالهم : إنما أوردت هذه الأخبار في هذا الكتاب ردّاً على الواقفة على موسى بن جعفر ، فإنّهم يزعمون أنّه حيّ وينكرون إمامة الرضا و إمامة مَن بعده من الأئمة ، وفي صحة وفاة موسى بن جعفر إبطال مذهبهم ، ولهم في هذه الأخبار كلام يقولون: إن الصادق قال: الإمام لا يغلسه إلا الإمام .

ولو كان الرضا إماماً كما ذكرتم لغسله، وفي هذه الأخبار أنّ موسى غسله غيره . ولا حجّة لهم علينا في ذلك لأن الصادق إنّما نهى أن يغسل الإمام إلا من يكون إماماً فإن دخل من يغسل الإمام في نهيه فغسله لم يبطل بذلك إمامة الإمام بعده، ولم يقل أنّ الإمام لا يكون إلا الذي يغسل من قبله من الأئمة ، فبطل تعلقهم علينا بذلك ، على أنّا قد روينا في بعض هذه الأخبار أنّ الرضا قد غسل أباه موسى بن جعفر من حيث خفي على الحاضرين لغسله غير من اطلع عليه ، ولا تنكر الواقفية أنّ الإمام يجوز أن يطوي الله تعالى له البعد حتى يقطع المسافة البعيدة في المدّة اليسيرة[46] .

وقد احتمل الشيخ الصدوق : أن ذلك صدر من الإمام الصادق حين وفاة ولده إسماعيل حيث أمر بتغسيلة وتكفينه ولم يتصدّ لغسله بنفسه ، مما يبطل إمامة إسماعيل لأنّ الإمام لا يغسله إلا إمام إذا حضره‏[47] .

فيما حمل الشيخ المفيد : الحديث المذكور على الحالة الطبيعية لا حالة الضرورة والاضطرار[48] ، كما هو الحال في قضية وفاة الإمام موسى في ظل التعسف والاضطهاد العباسي الذي يمنع من وصول ولده الرضا إليه.

مسألة ابن الإمام الرضا عليه السلام

من الأمور التي تذرعت بها الواقفية لإثبات حقانية معتقدهم ما روي من أن " الإمامة لم تنتقل بين الاخوين بعد الحسن و الحسين " من جهة ، ومن جهة أخرى تأخر ولادة الإمام الجواد ، الأمر الذي جرّهم للتشكيك بإمامة الرضا ، حتى أنّ الحسين ابن قياما الواسطي- وكان من رؤساء الواقفة- كتب إلى أبي الحسن الرضا كتاباً ، يقول فيه: كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا شبه المغضب : وما علمك أنّه لا يكون لي ولد ؟ والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً ، يفرّق به بين الحق والباطل[49] .

وروى ابن قياما نفسه قال : دخلت على أبي الحسن الرضا وقد ولد له أبو جعفر ، فقال: إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود[50] .

الإيمان بوجود القائم

تعتبر قضية الإيمان بوجود القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، من أساسيات الفكر الشيعي الذي أكدته الروايات الكثيرة الواردة عن المعصومين بدءاً بالنبي ومروراً بسائر الأئمة ، وقد استغلت هذه الروايات في فترات من عمر الإمامة بطريقة غير سليمة مما أثار شبهة في الوسط الفكري والسياسي الإمامي، حيث تمسك بها البعض لاثبات ما يروم إليه ، كالواقفة الذين برّروا وقوفهم على الإمام موسى بن جعفر بأنه القائم المهدي.

ومما ساعد الواقفية على الاستمرار طيلة قرن من الزمن وجود روايات تتوافق بالنظرة العابرة إلى حدّ ما مع ما ذهبوا إليه ، أو أنّ قادتهم فسّروها بنحو ينسجم مع ما ذهبوا إليه.

وقد جاء بعض تلك الروايات في مصنفات الواقفة ، منها ما ذكره أبو محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه " في نصرة الواقفة " نقلا عن يزيد الصائغ قال: لمّا ولد لأبي عبد الله أبو الحسن عملت له أوضاحا وأهديتها إليه فلمّا أتيت أبا عبد الله بها قال لي : يا يزيد أهديتها والله لقائم آل محمد [51] . و الرواية صريحة بكون الإمام موسى بن جعفر بقائم آل محمد .

وروى الطوسي في موضع عن الموسوي نفسه أنّه قال : حدثني بحر بن زياد الطحان عن محمد بن مروان عن أبي جعفر الباقر قال : قال رجل : جعلت فداك إنّهم يروون أنّ أمير المؤمنين قال بالكوفة على المنبر : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله  ذلك اليوم حتى يبعث الله  رجلاً منّي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً ، فقال أبو جعفر  : نعم ، قال : فأنت هو ؟ فقال : لا ، ذاك سميّ فالق البحر[52] . و الرواية تصرح بأنّ القائم من آل محمد هو المسمى باسم النبي موسى فالق البحر.

وقد تمسكت الواقفية بهذا النوع من الروايات مستغلة إيمان الشيعة بضرورة وجود القائم المهدي ، لتستغفل البعض منهم وتجرّهم إليها وتروج أفكارها ، وقد نجحوا إلى حدّ ما باستقطاب البعض من أبناء المذهب الإمامي، الأمر الذي يسّر لهم الاستمرارية قرابة القرن ، حتى ظهر في أوساطهم كتّاب ومفكرون يبشرون بالوقف ويدعون إليه . والجدير بالذكر هنا أن بعض تلك الروايات هي من مجعولات قادة الوقف أنفسهم ، يكشف عن ذلك معارضتها للروايات الصحيحة الواردة عن المعصومين وعدم إنسجامها مع أسس ومباني التشيع ، وقد تصدى الإمام الرضا بقوّة لمثل تلك المجعولات من الاحاديث[53] . وقد تعرضت طائفة من الروايات التي تتحدث عن القائم- بوعي أو بغير وعي- لعملية تحريف واستنباط خاطئين ، وقد حاول الإمام الرضا في أكثر من موقف التصدي لهذه العملية التحريفية وبيان المعنى الصحيح منها[54] .

انتظار ظهور المهدي

السمة البارزة في تاريخ الشيعة أنّهم تعرضوا وعلى مرّ التاريخ للكثير من المحن وتحمّلوا الويلات والمصائب التي حلت ببلادهم من قبل الحكام والخلفاء الذين تعاقبوا على حكم العالم الاسلامي ، فكانت عيونهم تربوا صوب المهدي الوعود وقلوبهم تتلهف لظهور المصلح الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، إنطلاقاً من روايات كثيرة و صحيحة بشّرت بظهور المنجي ، الاّ أنّ هذه العقيدة الصحيحة استغلت من قبل البعض أحياناً لجرّ المؤمنين بالاتجاه الخاطئ خلال صراع الفرق و المذاهب .

فقام البعض بتطبيق الروايات المعتبرة المُبشّرة بالقائم والحاثة على انتظار الفرج[55] على مصاديق مزيفة ، وكان المذهب الواقفي من أبرز مصاديق ذلك الزلل والانحراف الفكري. فقد كان للكبت والعنف الذي مارسته السلطة العباسية في عصر الإمام موسى بن جعفر وتصدي مجموعة من الخلفاء العباسيين الذين عرفوا بالشدّة والعنف ، الأثر الكبير في تشديد الخناق عليهم مما يجعل نفوسهم تتوق إلى المنقذ والمنجي الذي يستنقذهم من محنتهم خاصة مع وجود كمّ وافر من الروايات المبشرة به . الامر الذي سهل على الواقفة حركتهم في استقطاب الكثير من الناس إلى صفوفهم .

ومن هنا يتضح أنّ الواقفية استغلت مجموعة من العوامل المساعدة في نشر عقيدتها التي استمرت حتى أواخر القرن الثالث- عصر الغيبة الصغرى- وكانت الساحة الفكرية شهدت الكثير من المناظرات والسجال الفكريين بين أقطاب المذهب الشيعي وبين قادة الواقفية مع إيمان الفريقين بالقائم و غيبة الإمام المهدي واختلافهما في المصداق .

الواقفية والتأليف حول المهدي

قام قادة الوقف بتأليف مجموعة من المصنّفات لإثبات حقانية معتقدهم و احتفظت بطون الكتب الرجالية والببلوغرافيا بأسمائها رغم ضياع أصولها ، فقد ذكر الشيخ الطوسي كتابا "في نصرة الواقفة" لأبي محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي[56] .

والجدير بالاهتمام هنا أن مؤلفات الواقفية في خصوص موضوع غيبة الإمام المهدي جاءت لأجل تثبيت ما زعموه من غيبة الإمام موسى بن جعفر والحال أنّ الدراسة الموضوعية تقتضتي تثبيت المباني والأسس العامة أولاً وقبل تحديد المصداق ، وانما تأتي مرحلة المصداق بعد ترسيخ الدعائم وإثبات الخطوط العامة للمذهب ، وهذا ما فعله أعلام الشيعة الكبار حيث صنفوا في الغيبة في زمن سابق على غيبة الإمام الثاني عشر ، وجمعوا فيها الروايات الصادرة عن النبي و الأئمة التي تتمحور حول موضوع الإمام المهدي و القائم الموعود .

ومن أبرز تلك المصنفات التي تعود لشخصيات واقفية ، كتاب الغيبة تأليف الحسن بن محمد بن سماعة الكوفي ، الذي ترجم له الطوسي بقوله : الكوفي واقفي المذهب إلا أنّه جيد التصانيف نقي الفقه حسن الانتقاد وله ثلاثون كتابا ، منها، كتاب الغيبة، ومات ابن سماعه سنة 263 هجرية[57] . روى النجاشي أخباراً تدلّ على عناده في الوقف وتعصبه[58] .

ومنهم علي بن حسن الطاطري الكوفي : وصفه الطوسي بأنّه كان واقفيا ، شديد العناد في مذهبه ، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية ، و له كتب كثيرة في نصرة مذهبه ، وصنف في الفقه كثيراً و قيل أن مجموع كتبه أكثر من ثلاثين كتاباً[59] ، منها كتاب الغيبة[60] .

وتكشف تلك المؤلفات عن مدى النشاط الذي قام به قادة الواقفة لترويج مذهبهم ، إلا أنّه لم يكتب لحركتهم هذا النجاح ولم تتوسع أكثر مما كانت عليه خلال قرن واحد ثم ظهرت عليها علامات الانهيار والاندثار بعد غيبة الإمام الثاني عشر ، حيث لم يسجل لنا الواقع التاريخي والرجالي شيئا عن نشاطهم وحركتهم التبليغية.

والجدير بالذكر أن اهتمام كبار رواة الشيعة و علماء الإمامية الكبار كالشيخ الصدوق و ابن بابويه و الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي بنقد المذهب الواقفي وبيان فساد مزعمتهم قياساً بموقف هؤلاء الاعلام تجاه سائر الفرق و المذاهب الاخرى التي ظهرت على الساحة الفكرية ، يكشف عن خطورة وأهمية المذهب الواقفي الامر الذي اقتضى أن يخصص هؤلاء الأعلام حيزاً كبيراً من وقتهم للتصدي لهم ونقد مقولاتهم.

الهوامش

  1. الصدوق، کمال الدين وتمام النعمة، ص 101- 103.
  2. الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 40.
  3. النوبختي، فرق الشيعة، ص 82.
  4. الوحيد البهبهاني، فوائد الوحيد، طبع في آخر كتاب رجال الخاقاني، ص 40.
  5. سعد بن عبداللَّه الأشعري، المقالات والفرق، الطبعة الثالثة، ص 20.
  6. سعد بن عبداللَّه الأشعري، المقالات والفرق، الطبعة الثالثة، ص 20.
  7. سعد بن عبداللَّه الأشعري، المقالات والفرق ، ص 20؛ حسن بن موسى النوبختي، المصدر السابق، ص 22.
  8. ابوالحسن الأشعري، مقالات الاسلاميين و اختلاف المصلّين، ج 1، ص ‏85.
  9. ص 134.
  10. عبد القاهر بن طاهر بغدادي، الفرق بين الفرق، ص 59.
  11. عبد القاهر بن طاهر بغدادي، الفرق بين الفرق، ص 59.
  12. محمد بن محمد بن النعمان المفيد، الفصول المختاره في العيون والمحاسن، ص 250.
  13. محمد بن علي بن بابويه، الصدوق، المصدر السابق، ص 40.
  14. حسن بن موسي، النوبختي، المصدر السابق، ص۹۶؛ محمد بن عبد الکريم الشهرستاني، المصدر السابق، ص 151.
  15. النوبختي، المصدر السابق، ص 28؛ سعد بن عبد اللَّه الأشعري، المصدر السابق، ص 26.
  16. النوبختي، المصدر السابق، ص 26- 27.
  17. النوبختي، المصدر السابق، ص۳۴ و سعد بن عبد الله الأشعري، المصدر السابق، ص 44.
  18. النوبختي، المصدر السابق، ص 25 و سعد بن عبد الله الأشعري، المصدر السابق، ص 44.
  19. النوبختي، المصدر السابق، ص 62.
  20. النوبختي، المصدر السابق، ص 61- 62.
  21. النوبختي، المصدر السابق، ص 67- 68.
  22. النوبختي، المصدر السابق، ص 73.
  23. النوبختي، المصدر السابق، ص۴۷؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 69- 70.
  24. النوبختي، المصدر السابق، ص 52- 53؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 69- 70.
  25. النوبختي، المصدر السابق، ص 79؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 87.
  26. النوبختي، المصدر السابق، ص 81؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 91.
  27. النوبختي، المصدر السابق، ص 80؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 90.
  28. النوبختي، المصدر السابق، ص 81؛ الأشعري، المصدر السابق.
  29. النوبختي، المصدر السابق، ص۸۰؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 89.
  30. النوبختي، المصدر السابق، ص 82؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 91.
  31. النوبختي، المصدر السابق، ص۸۲؛ الأشعري، المصدر السابق، ص۹۱.
  32. النوبختي، المصدر السابق، ص 82؛ الأشعري، المصدر السابق، ص۹۱.
  33. النوبختي، المصدر السابق، ص 82.
  34. النوبختي، المصدر السابق، ص 80؛ الأشعري، المصدر السابق، ص 90.
  35. أشار البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق الى اعتقادهم بحياة موسى ابن جعفر (ع) ومهدويته، مسميا إياهم الموسوية. (البغدادي، المصدر السابق، ص 46).
  36. محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة، المصدر السابق، ص۴۲.
  37. محمد بن علي بن بابويه الصدوق، علل الشرايع، ص‏۲۳۵.
  38. محمد بن علي بن بابويه الصدوق، المصدر السابق، ص۲۳۶.
  39. الفضل بن الحسن الطبرسي، أعلام الورى، ص۳۰۳.
  40. الفضل بن الحسن الطبرسي، أعلام الورى، ص۳۰۳.
  41. الفضل بن الحسن الطبرسي، أعلام الورى، ص۳۰۳.
  42. الطوسي، اختيار معرفة الرجال، المصدر السابق، ص۷۶۸.
  43. الناصري، المصدر السابق، ص۸۵.
  44. حسن بن موسى النوبختي، المصدر السابق، ص۹۷؛ محمد بن محمد بن النعمان المفيد، المصدر السابق، ص۲۵۶.
  45. علي بن عيسى الأربلي، کشف الغمة، ج۲، ص۳۵۳؛ محمد بن يعقوب الکليني، المصدر السابق، ج۲، ص۱۰۶.
  46. محمد بن علي بن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج۳، ص۳۲۴؛ محمد بن يعقوب الکليني، المصدر السابق، ص۲۲۴- ۲۲۵.
  47. محمد بن علي بن بابويه، عيون أخبار الرضا، ص۱۰۵.
  48. محمد بن علي بن بابويه الصدوق، کمال الدين وتمام النعمة، المصدر السابق، ج۱، ص۷۱.
  49. محمد بن محمد بن نعمان، المفيد، المصدر السابق، ص۲۴۹.
  50. محمد بن يعقوب کليني، المصدر السابق، ج۱، ص۳۲۰ و المفيد، الارشاد، المصدر السابق، ص۲۹۸.
  51. محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات، ص۱۳۸.
  52. محمد بن الحسن الطوسي، المصدر السابق، ص۳۰
  53. محمد بن الحسن الطوسي، المصدر السابق، ص۳۳.
  54. محمد بن يعقوب الکليني، المصدر السابق، ج۳، ص۲۱۵.
  55. محمد بن الحسن الطوسي، اختيار معرفة الرجال، المصدر السابق، ص۷۷۴.
  56. محمد بن علي بن بابويه الصدوق، المصدر السابق، ص۲۸۶ و ۶۴۴؛ محمد بن إبراهيم النعماني، الغيبة، ص۱۹۸ و ۲۰۰.
  57. محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة، المصدر السابق، ص۳۰.
  58. محمد بن الحسن الطوسي، الفهرست، ۱۴۲۰)، ص۱۳۴.
  59. احمد بن علي النجاشي، المصدر السابق، ص۴۱.
  60. محمد بن الحسن الطوسي، المصدر السابق، ص۲۷۳.

المصادر والمراجع

    ابن داود، تقي الدين، الرجال، النجف الأشرف، الحيدرية، د.ت.

    ابن شهر آشوب، محمد بن علي، معالم العلماء، النجف الأشرف، الحيدرية، 1380 هـ.

    ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل ابي طالب، بيروت، دار الاضواء، 1412 هـ.

    الأربلي، علي بن عيسى، كشف الغمة، قم، إسلامية، 1364 هـ.

    الأشعري، أبو الحسن، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، بيروت، د.ن، 1405 هـ.

    الأشعري، سعد بن عبد الله، المقالات والفرق، طهران، انتشارات علمي وفرهنكي، ط 3، 1362 هـ.

    البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، الفرق بين الفرق، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1978 م.

    الشهرستاني، محمد بن عبد الکريم، الملل والنحل، القاهرة، مکتبه انجلوا، 1956 م.

    الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، النجف الأشرف، مکتبة الحيدرية، د.ت.

    الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا (ع)، بيروت، الاعلمي، 1404 هـ.

    الصدوق، محمد بن علي، کمال الدين، قم، دفتر انتشارات اسلامي، 1416 هـ.

    الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، قم، مكتبة المرعشي، 1404 هـ.

    الطبرسي، الفضل بن الحسن، أعلام الورى، قم، مؤسسه آل البيت، 1417 هـ.

    الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال، ج 2، مشهد، دانشکده الهيات، 1348 ش.

    الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، قم، مؤسسه المعارف الإسلامية، 1417 هـ.

    الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست، قم، مؤسسة آل البيت، 1420 هـ.

    الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران، انتشارات إسلامية، 1362 ش.

    المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد، طهران، إسلامية 1376 ش.

    المفيد، محمد بن محمد، الفصول المختارة في العيون والمحاسن، قم، لجنة مؤتمر الشيخ المفيد، 1411 هـ.

    الناصري، رياض محمد حبيب، الواقفية دراسة تحليلية، مشهد، المؤتمر العالمي للإمام الرضاع، 1409 هـ.

    النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، د.م، مؤسسة نشر اسلامي، 1418 هـ.

    النعماني، محمد بن إبراهيم، الغيبة، قم، أنوار المهدي، 1422 هـ.

    النوبختي، الحسن بن موسى، فرق الشيعة، النجف الأشرف، الحيدرية، 1355 هـ.

    الوحيد البهبهاني، محمد باقر، فوائد الوحيد، طبع في آخر رجال الخاقاني، قم، مکتب الإعلام الإسلامية، 1404 هـ.


طباعة   البريد الإلكتروني