الإسماعیلیّة

(وقت القراءة: 3 - 6 دقائق)

khlm6 1

الإسماعیلیّة فِرقة من الشیعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصیص من النبیّ أو الإمام القائم مقامه، غیر أنّ هناک خلافاً بین الزیدیّة والإمامیّة والإسماعیلیّة فی عدد الأئمّة ومفهوم التنصیص.
فالأئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبیّ عند الزیدیّة لا یتجاوز عن الثلاثة: علیّ أمیر المؤمنین (علیه السّلام)، والسبطین الکریمین: الحسن والحسین (علیهما السّلام)، وبشهادة الأخیر أغلقت دائرة التنصیص وجاءت مرحلة الانتخاب بالبیعة کما تقدم.
وأمّا الأئمّة المنصوصون عند الإمامیّة فاثنا عشر إماماً آخرهم غائبهم یظهره الله سبحانه عندما یشاء، وقد حوّل أمر الأُمّة ـ فی زمان غیبته ـ إلى الفقیه العارف بالأحکام والسنن والواقف على مصالح المسلمین على النحو المقرّر فی کتبهم وتآلیفهم.
وأمّا الإمامة عند الإسماعیلیّة فهی تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء، ویکون انتقالها عن طریق المیلاد الطبیعی، فیکون ذلک بمثابة نصّ من الأب بتعیین الابن، وإذا کان للأب عدّة أبناء فهو بما أُوتی من معرفة خارقة للعادة یستطیع أن یعرف من هو الإمام الّذی وقع علیه النص، فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصیص.

وعلى کلّ حال فهذه الفِرقة منشقّة عن الشیعة، معتقدة بإمامة إسماعیل بن جعفر بن الإمام الصادق (علیه السّلام)، وإلیک نبذة مختصرة عن سیرة إسماعیل بن جعفر الصادق (علیه السّلام) (110 ـ 145هـ).
الإمام الأوّل للدعوة الإسماعیلیّة:
إنّ إسماعیل هو الإمام الأوّل والمؤسّس للمذهب، فوالده الإمام الصادق (علیه السّلام) غنیّ عن التعریف وفضله أشهر من أن یُذکر، وأُمّه فاطمة بنت الحسین بن علیّ بن الحسین الّتی أنجبت أولاداً ثلاثة هم:
1 ـ إسماعیل بن جعفر.
2 ـ عبد الله بن جعفر.
3 ـ أُم فروة.
وکان إسماعیل أکبرهم، وکان أبو عبد الله (علیه السّلام) شدید المحبّة له والبرَّ به والإشفاق علیه، مات فی حیاة أبیه (علیه السلام) (بالعریض) وحمل على رقاب الرّجال إلى أبیه بالمدینة حتّى دفنه بالبقیع.(1)
استشهاد الإمام الصادق (علیه السّلام) على موته:
کان الإمام الصادق حریصاً على إفهام الشیعة بأنّ الإمامة لم تُکتب لإسماعیل، فلیس هو من خلفاء الرسول الاثنی عشر الّذین کُتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم.
ــــــــــــــ
(1) إرشاد المفید: 284.

ومن الدواعی الّتی ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشکّ فی نفوس الشیعة فی ذلک الیوم؛ هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأکبر، وکان إسماعیل أکبر أولاده، فکانت أمانی الشیعة معقودة علیه، ولأجل ذلک ترکّزت جهود الإمام الصادق (علیه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلک الشبهة وأنّ الإمامة لغیره، فتراه تارة ینصّ على ذلک، بقوله وکلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعیل وأنّه قد انتقل إلى رحمة الله ولن یصلح للقیادة والإمامة.
وإلیک نموذجاً یؤیّد النهج الّذی انتهجه الإمام لتحقیق غرضه فی إزالة تلک الشبهة.
روى النعمانی عن زرارة بن أعین، أنّه قال: دخلت على أبی عبد الله (علیه السّلام) وعند یمینه سیّد ولده موسى (علیه السّلام) وقدّامه مرقد مغطّى، فقال لی: ((یا زرارة جئنی بداود بن کثیر الرقی وحمران وأبی بصیر)) ودخل علیه المفضّل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرنی بإحضاره، ولم یزل الناس یدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا فی البیت ثلاثین رجلا.
فلمّا حشد المجلس قال: ((یا داود اکشف لی عن وجه إسماعیل))، فکشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): ((یا داود أحیٌّ هو أم میّت؟))، قال داود: یا مولای هو میّت، فجعل یعرض ذلک على رجل رجل، حتّى أتى على آخر من فی المجلس، وانتهى علیهم بأسرهم، وکل یقول: هو میّت یا مولای، فقال: ((اللّهم اشهد)) ثُمَّ أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه فی أثوابه.
فلمّا فرغ منه قال للمفضّل: (یا مفضّل أحسر عن وجهه)، فحسر عن وجهه، فقال: ((أحیُّ هو أم میّت؟)) فقال له: میّت، قال(علیه السّلام): ((اللّهم اشهد علیهم))، ثُمَّ حمل إلى قبره، فلمّا وضع فی لحده، قال: ((یا مفضّل اکشف عن وجهه))، وقال للجماعة: (أحیّ هو أم میّت؟)، قلنا له: میّت، فقال: ((اللّهم اشهد، واشهدوا فانّه سیرتاب المبطلون، یریدون إطفاء نور الله بأفواههم ـ ثُمَّ أومأ إلى موسى ـ والله متمّ نوره ولو کره المشرکون))، ثُمَّ حثونا علیه التراب، ثُمَّ أعاد علینا القول، فقال: ((المیّت، المحنّط، المکفّن المدفون فی هذا اللحد من هو؟)) قلنا: إسماعیل، قال: ((اللّهم اشهد)). ثُمَّ أخذ بید موسى (علیه السّلام) وقال: ((هو حقّ، والحقّ منه، إلى أن یرث الله الأرض ومن علیها)).(1)
هل کان عمل الإمام تغطیة لستره؟
إنّ الإسماعیلیّة تدّعی أنّ ما قام به الإمام الصادق (علیه السّلام) کان تغطیة؛ لستره عن أعین العباسیّین، الّذین کانوا یطاردونه بسبب نشاطه المتزاید فی نشر التعالیم الّتی اعتبرتها الدولة العباسیّة منافیة لقوانینها. والمعروف أنّه توجّه إلى سلمیة ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخلیفة، وهذا ما جعله یغادرها إلى البصرة لیعیش فیها متستّراً بقیّة حیاته.
مات فی البصرة سنة 143هـ، وکان أخوه موسى بن جعفر الکاظم حجاباً علیه، أمّا ولیّ عهده محمّد فکان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته.(2)
ما ذکره أُسطورة حاکتها یدُ الخیال، ولم یکن الإمام الصادق (علیه السّلام) ولا أصحابه الأجلاّء، ممّن تتلمذوا فی مدرسة الحرکات السریّة، حتّى یفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس وهو بعد حیّ یرزق، ولم یکن عامل الخلیفة
ــــــــــــــــ
(1) غیبة النعمانی: 327، الحدیث 8، ولاحظ؛ بحار الأنوار: 48/21.
(2) عارف تامر: الإمامة فی الإسلام: 180.
بالمدینة المنوّرة بلیداً، یکتفی بالتمویه، حتّى یتسلّم المحضر ویبعث به إلى دار الخلافة العبّاسیّة.
والظاهر أنّ إصرارهم بعدم موت إسماعیل فی حیاة أبیه جعفر الصادق (علیه السّلام)، لأجل تصحیح إمامة ابنه عبد الله بن إسماعیل؛ حتّى یتسنّى له أخذ الإمامة من أبیه الحیّ بعد حیاة الإمام الصادق (علیه السّلام).
لکن الحقّ أنّه توفّی أیّام حیاة أبیه، بشهادة الأخبار المتضافرة الّتی تعرّفت علیها، وهل یمکن إغفال أُمّة کبیرة وفیهم جواسیس الخلیفة وعمّالها؟!، وستْر رحیل إسماعیل إلى البصرة بتمثیل جنازة بطریقة مسرحیّة یُعلن بها موته، فإنّه منهج وأُسلوب السیاسیّین المخادعین، المعروفین بالتخطیط والمؤامرة، ومن یرید تفسیر فعل الإمام عن هذا الطریق فهو من هؤلاء الجماعة (وکلّ إناء بالّذی فیه ینضح). وأین هذا من وضع الجنازة مرّات وکشف وجهه والاستشهاد على موته وکتابة الشهادة على کفنه؟!
والتاریخ یشهد على أنّه لم یکن لإسماعیل ولا لولَده الإمام الثانی، أیّة دعوة فی زمان أبی جعفر المنصور ولا ولَده المهدی العبّاسی، بشهادة أنّ ابن المفضّل کتب کتاباً ذکر فیه صنوف الفِرق، ثُمَّ قرأ الکتاب على الناس، فلم یذکر فیه شیئاً من تلک الفِرقة مع أنّه ذکر سائر الفِرق الشیعیّة البائدة.
والحق إنّ إسماعیل کان رجلاً ثقة، محبوباً للوالد، وتوفّی فی حیاة والده وهو عنه راض، ولم تکن له أی دعوة للإمامة، ولم تظهر أی دعوة باسمه أیّام خلافة المهدی العبّاسی الّذی توفّی عام 169هـ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق (علیه السّلام) إحدى وعشرون سنة.


طباعة   البريد الإلكتروني