عقيدة الاسماعیلیه في المعاد وما يرتبط به

(وقت القراءة: 3 - 6 دقائق)

المعاد بمعني عود الاِنسان إلي الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية وهي حقيقة لا تنفك عن الاِيمان باللّه، لذا نري أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا علي وجود المعاد بعد الموت:"وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُور " .[1] ولولا القول بالمعاد لما قام للدين عمود، ولا اخضرّ له عود.نعم، اختلفوا في كونه جسمانياً أو روحانياً وعلي فرض كونه جسمانياً فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أوجسم عنصري؟والاِمعان في الآيات الواردة حول المعاد يثبت الاَخير بلا شك، فهلمّ معي ندرس عقيدة الاِسماعيلية في المعاد وكيفيته.
1. في أنّ المعاد روحاني لا جسمانيقال الكرماني بعد بيان النشأة الاَُولي في الدنيا : ثمّ اللّه ينشأ النشأة الآخرة، بقوله تعالي: "وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاَُولي التي هي خلق أجسامكم من قبيل جسمكم فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ" فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون انّ النظام في الخلق والبعث واحد، وانّ النشأة الآخرة هي خلق الاَرواح وإحياوَها بروح القدس علي مثال النشأة الاَُولي. ثمّ إنّه أفاض في الكلام ومحصّله: كما أنّ الاِنسان في عالم الاحشاء يكتسب آلات ليحس بها الكمالات عند مصيره إلي عالم الدنيا، فهكذا هو في عالم الجسم والدنيا يكتسب آلات ليلتذ بها عند مسيره إلي عالم الآخرة، فكما أنّه يستغني عند مسيره من عالم الاحشاء إلي عالم الحس عمّا فيها، فهكذا عند مسيره من عالم الحس إلي عالم الآخرة وإليك عبارته:

ولما كان الاَمر في وجود النفس وكمالها كالاَمر في جسمها كما نطق به الكتاب الكريم، فالاِنسان ينتقل من رتبة النطفية إلي رتبة العلقية، و من رتبة العلقية إلي رتبة المضغية ومن رتبة المضغية كذلك أن يحصل له الآلات من عين وأُذن ويد و رجل وأنف ولسان وغير ذلك من الاَُمور ليقوم بالفعل بها عند مصيره إلي عالم الحس إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الاَحشاء لا لها، بل لفسحة الدنيا وما فيها فيكون ما يلتذ به أو يألم بحسب ما اكتسب في الاَحشاء من الآلات، فهكذا وجودها في جسمها لا له بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها وعند مفارقة الجسم من جسمها مصيراً إلي الآخرة التي إليها إنهاوَها كمفارقة جسمها الاَحشاء مصيراً إلي عالم الحس الذي إليه وروده وتكون ذاتها في آخرتها لذاتها آلة تجد بها الملاذ كالجسم الذي هو لها في دنياها آلة تجد بها الملاذ، وما يحصل لها من روح القدس في ذلك العالم كالروح الحسي الذي يحصل للجسم في هذا العالم.[2]

ومن تأمل فيما أفاض يذعن بأنّ المعاد عندهم روحاني لا جسماني، وقد صرح بذلك أيضاً الداعي علي بن محمد الوليد، وقال: ويعتقد انّ اللّه تعالي دعانا علي ألسنة وسائطه بقبول أمره، إلي دار غير هذه الدار فهذه الدار صورية وتلك مادية ومابينهما صوري ومادي.[3]
2. في التناسخ

وهو عود الروح بعد مفارقة البدن إلي الدنيا عن طريق تعلقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لاِفاضة الروح وله أقسام مذكورة في محلّها.[4]

وربما ينسب القول بالتناسخ إلي الاِسماعيليّة، ولكن النسبة في غير محلّها.

يقول الداعي الكرماني: وأمّا من يري الجزاء، مثل محمد بن زكريا والغلاة وأهل التناسخ، وانّه يكون في الدنيا، فمن اعتقادهم انّهذه الاَنفس لها وجود قبل أشخاصها بخلاف اعتقاد الدهرية وأمثالها ممّن ينحون نحوهم الذين يقولون انّوجودها بوجود أشخاصها، ويقولون: إنّها جوهر تتردد في الهياكل بحسب اكتسابها إلي أن تصفو وتعود، فقد[5] أوردنا في كتابنا المعروف ب«الرياض» و«ميزان العقل» وغيرهما من رسائلنا في فساد قولهم ما يغني سيّما ما يختص بذلك في كتابنا المعروف ب«المقاييس» رداً علي الغلاة وأشباههم.[6]

يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفي غالب: ويذهب أكثر الذين كتبوا عن عقائد الاِسماعيليّة من القدماء والمحدثين بأنّ الاِسماعيليّة يقولون بتناسخ الاَرواح، أي أنّ الروح بعد الموت تنتقل إلي إنسان آخر أو إلي حيوان أو نبات علي نحو ما نراه في العقيدة البوذية أو النصيرية مثلاً، ويمكننا بعد أن درسنا كتب الاِسماعيلية السرية والعلنية دراسة دقيقة، أن نقول بأنّهم لا يدينون مطلقاً بالتناسخ، بل ذهبوا إلي أنّ الاِنسان بعد موته يستحيل عنصره الترابي (جسمه) إلي ما يجانسه من التراب، وينتقل عنصره الروحي (الروح) إلي الملاَ الاَعلي، فإن كان الاِنسان في حياته موَمناً بالاِمام فهي تحشر في زمرة الصالحين وتصبح ملكاً مدبراً، وإن كان شريراً عاصياً لاِمامه حشرت مع الاَبالسة والشياطين وهم أعداء الاِمام.

والاِمام نفسه يجري علي جسده مثلما يجري علي سائر الاَجساد بعد الموت، حيث يتحلّل كل قسم إلي ما يناسبه، فالجسم الترابي يعود إلي التراب، والنفس الشريفة تعود إلي ما يجانسها ويناسبها، فتصبح نفس الاِمام عقلاً من العقول المدبرة للعالم، فلا تتناسخ ولا تتلاشي أي تتقمص.[7]


3. في الحساب

والحساب تابع للبعث وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الذي هو الملاذ والمسار، والعقاب الذي هو الاَلم والعذاب والغم، وينقسم هذا الفعل إلي ما يكون وجوده في الدنيا، وإلي ما يكون وجوده في الآخرة.

فأمّا ما يكون وجوده في الدنيا فينقسم قسمين. ثمّ أفاض الكلام في القسمين.[8]


4. في الجنة

يقول الكرماني: إنّها موصوفة بالسرمد والاَبد ووجود الملاذ فيها أجمع، وأنّها لا تستحيل، ولا تتغير، ولا يطرأ عليها حال، ولا تتبدل، والذي بهذه الصفة هو النهاية الاَُولة من الموجودات عن المتعالي سبحانه عن الموصوفات والصفات إبداعاً خارج الصفحة العليا من السماوات المعرب عنها بسدرة المنتهي الذي هوالمبدع الاَوّل.[9]
5. في الملائكة

إنّ الملائكة علي ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة، فلا يتعدي أحد منهم بغير ما وكّل به، كما قال وأخبر عنهم:"وَ ما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ"[10]

والجوهر فيهم واحد، وإنّما اختلفت أسماوَهم لاَجل ما وكلوا به فمنهم من هو في العالم العقلي، ومنهم من هو في العالم الفلكي، ومنهم من هو في العالم الطبيعي لحفظ ارجائه، ثمّ استدل بالآيات القرآنية.

منها قوله:"فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ*وَ ما لا تُبْصِرونَ"[11] يعني الملائكة الذين قد أخفي سبحانه ذواتهم عن النظر، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم لا يراهم حتي يصير إمّا في منزلة النبي أو يخلص القبول من النبي بقرب الدرجة منه.[12]


6. في الجن

ويعتقد انّ في الجن ذوات أرواح نارية وهوائية ومائية وترابية، ويعتقد انّ الجن صحيح لا ريب فيه وهم علي ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر، إلي أن قال: فمنهم من هو في ارجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم.[13]


[1] . الحج:7.

[2] . راحة العقل: 361، المشرع 13.

[3] . تاج العقائد: 165.

[4] . لاحظ شرح المنظومة للحكيم السبزواري:312.

[5] . جواب لقوله: امّا.

[6] . راحة العقل:364.

[7] . مصطفي غالب: في مقدمة كتاب الينابيع:16.

[8] . راحة العقل: 369.

[9] . راحة العقل: 379.

[10] . الصافات:164.

[11] . الحاقة:38 39.

[12] . تاج العقائد: 45.

[13] . تاج العقائد: 46

منبع : بحوث في الملل و النحل، ج 8 , جعفر السبحاني


طباعة   البريد الإلكتروني