من هم السلفية

(وقت القراءة: 5 - 9 دقائق)

ولطالما تذرّعوا بالدعوة السلفية واتّباع السلف الصالح، ولم أعلم حتّى الآن من يعنون بالسلف الصالح، والظاهر أنّها دعوة حقّ أُريد بها باطل. فالمعروف بين الجمهور أنّ السلف الصالح هم الأشاعرة والماتريدية أُصولا، والمذاهب الأربعـة ـ أعني الأحناف، والمالكية، والشوافع...ولطالما تذرّعوا بالدعوة السلفية واتّباع السلف الصالح، ولم أعلم حتّى الآن من يعنون بالسلف الصالح، والظاهر أنّها دعوة حقّ أُريد بها باطل.فالمعروف بين الجمهور أنّ السلف الصالح هم الأشاعرة والماتريدية أُصولا، والمذاهب الأربعـة ـ أعني الأحناف، والمالكية، والشوافع، والحنابلة ـ فروعاً، وآراؤهم وفتاواهم معروفة ومدوّنة في مصادرهم وليس فيها ما يوافق آراء الوهّابية والسلفية.
وكذا بقيّة المذاهب المنقرضة كمذهب الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وداود الظاهري، وابن جرير الطبري، وغيرهم.
وحتّى الصحابة والتابعون فإنّ رواياتهم وآثارهم منقولة ومدوّنة، ولا نرى فيها أثراً لما يدّعيه الوهّابية أو السلفية، نعم هناك منهم من ادّعى بأنّهم على مذهب أحمد بن حنبل، إلاّ أنّه ليس بصحيح، لأنّ الحنابلة أنكروا ذلك وردّوا عليهم، منهم:
الشيخ سليمان بن عبد الوهّاب الحنبلي، أخو محمّد بن عبد الوهّاب، له كتاب " الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية " وهو مطبوع.
والشيخ عبد القدّومي النابلسي في " رحلته ".
والشيخ عفيف الدين عبد الله بن داود الحنبلي، له كتاب " الصواعق والرعود ".
والعلاّمة محمّد بن عبد الرحمن بن عفالق الحنبلي، له كتاب " تهكّم المقلّدين بمن ادّعى تجديد الدين ".
والشيخ حسن الشطّي، له رسالة في الردّ عليهم.
وعبد المحسن الأشيقري الحنبلي، له مؤلف في الردّ على الوهابية.
والشيخ مصطفى بن أحمد بن حسن الشطّي الحنبلي، له كتاب " النقول الشرعية في الردّ على الوهّابية ".
فضلا عن عشرات الردود من بقيّة علماء المذاهب الأُخرى.
علماً بأنّ علماء الكلام والملل والنحل حدّدوا بأنّ أُصول الفرق الإسلامية تعود إلى أربع فرق، وهي: 1 ـ المعتزلة، 2 ـ الخوارج، 3 ـ المرجئة أو الصفاتية، 4 ـ الشيعة.
ولا ندري أيّ عنوان من هذه العناوين ينطوي تحته لواء السلفية؟ نعم، نرى لهـم اهتمـامـاً واضحـاً بآراء ومصـنّفـات ابن خزيمة النيسابوري ـ صاحب كتاب " التوحيد " والذي يسمّيه الرازي كتاب الشرك لما فيه من تجسيم وتشبيه الخالق بالمخلوقين ـ، وعثمان بن سعيد الدارمي ـ صاحب كتابي " الردّ على الجهمية " و" النقض على بشر المريسي " ـ، وكان ابن تيمية يوصي بكتابي الدارمي هذين أشدّ الوصية ويعظمهما جداً، ولذا تصدّى له أغلب فقهاء عصره وأفتوا بابتداعه وضلاله، وحوكم على ذلك وسجن أكثرمن مـرّة حتّى مات في السجن، ثمّ تلميذه وتوْلبه ابن القيّم الجوزية، فإذا كانوا يقصدون بالسلف الصالح هؤلاء؟ فلا خير ولا فلاح بهذا السلف.
قال العلاّمة شرف الدين أحمد بن يحيى المنيري: لا يوجد في كتب علماء أهل السُنّة والجماعة عبارة (السلفية) و (مذهب السلفية) ، ومثل هذه الأسماء ابتدعت من طرق الوهّابيّين واللامذهبيّين(1) .
وتحت عنوان (التمذهب بالسلفية بدعة لم تكن من قبل) ، قال محمّد سعيد رمضان البوطي وهو من كبار علماء الشام في كتابه " السلفية مرحلـة زمنيـة مباركـة لا مذهب إسلامي ": إذا عرف المسلم نفسـه بأنّه ينتمي إلى ذلك المذهب الذي يسمّى اليـوم بـالسلفية فـلا ريب أنّـه مبتدع(2) .
وقال: إنّ من الخطأ بمكان أن نعمد إلى كلمة (السلف) فنصوغ منها مصطلحاً جديداً طارئاً على تاريخ الشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي ألا وهو (السلفية) فنجعله عنواناً مميزاً تندرج تحته فئة معينة من المسلمين تتّخذ لنفسها من معنى هذا العنوان وحده مفهوماً معيناً، وتعتمد فيه على فلسفة متميزة بحيث تغدو هذه الفئة بموجب ذلك، جماعة إسلامية جديدة في قائمة جماعات المسلمين المتكاثرة والمتعارضة بشكل مؤسف في هذا العصر، تمتاز عن بقيّة المسلمين بأفكارها وميولها، بل تختلف عنهم حتّى بمزاجها النفسي ومقاييسها الأخلاقية كما هو الواقع اليوم فعلا.
بل إنّنا لا نعدو الحقيقة إن قلنا: إنّ اختراع هذا المصطلح بمضامينه الجديدة التي أشرنا إليها بدعة طارئة في الدين لم يعرفها السلف الصالح لهذه الأمّة، ولا الخلف الملتزم بنهجه(3) .
وقال: ولم نعلم أنّ في أهل هذه القرون الغابرة كلّها من قد استبدل بهذا المنهج الذي كان ولا يزال فيصل ما بين أهل الهداية والضلال، التمذهب بمذهب يسمّى السلفية بحيث يكون الانتماء إليه هو عنوان الدخول في ساحة أهل الهداية والرشاد، وعدم الانتماء إليه هو عنوان الجنوح إلى الزيغ والضلالة والابتداع.
ولقد أصغينا طويلا ونقّبنا كثيراً فلم نسمع بهذا المذهب في عصر من عصور الإسلام الغابرة، ولم يأتِ من يحدّثنا بأنّ المسلمين في عصر ما قد انقسموا إلى فئة تسمّي نفسها السلفية وتحدد شخصيتها المذهبية هذه بآراء محدّدة تنادي بها وأخلاقية معينة تصطبغ بها، وإلى فئة أخرى تسمّى من وجهة نظر الأولى بدعية أو ضلالية أو خَلفية أو نحو ذلك، كلّ الذي سمعناه وعرفناه أنّ ميزان استقامة المسلمين على الحقّ أو جنوحهم عنه إنّما مردّه إلى اتّباع المنهج المذكور.
وهكذا، فقد مرّ التاريخ الإسلامي بقرونه الأربعة عشر دون أن نسمع عن أيّ من علماء وأئمّة هذه القرون أنّ برهان استقامة المسلمين على الرشد يتمثل في انتسابهم إلى مذهب يسمّى بالسلفية، فإن هم لم ينتموا إليه ويصطبغوا بميزاته وضوابطه، فأولئك هم البدعيّون الضالّون.
إذاً فمتى ظهرت هذه المذهبيّة التي نراها بأُمِّ أعيننا اليوم والتي تستثير الخصومات والجدل في كثير من أصقاع العالم الإسلامي، بل تستثير التنافس والهرج في كثير من بقاع أوربا حيث يقبل كثيرٌ من الأوروبّيّين على فهم الإسلام ويبدون رغبة في الانتساب إليه(4) .
ثمّ عرّف السلفي بقوله: فالسلفي اليوم، كلّ من تمسّك بقائمة من الآراء الاجتهادية المعينة ودافع عنها وسفّه الخارجين عليها ونسبهم إلى الابتداع سواءٌ منها ما يتعلق بالأمور الاعتقادية أو الأحكام الفقهية والسلوكية(5) .
ولو تنزّلنا وقلنا إنّهم يؤمنون بالاجتهاد، وهذا حسن لو كان مبنيّاً على أُسس وقواعد علمية سليمة، ولكن لا يخفى أنّ محور الاجتهاد هو فروع الدين، فعلى من يعتمدون في الأُصول؟ علماً أنّ رأيهم بأبي الحسن الأشعري إمام أهل السُنّة والجماعة في الأُصول في غاية السوء، ويعدّونه ضالاّ، ولا يساوي عندهم شيئاً، كما هو واضح من أقوالهم ومصنّفاتهم، وهل يوجد فرع بلا أصل أو بنيان بلا أساس؟! إنّه لبنيان واه، بل أوهن من بيت العنكبوت.
وبالرغم ممّا عرفت من وهنهم هذا إلاّ أنّهم لم يدعوا الآخرين وشأنهم، بل تراهم بين نعيق وزعيق، ونعيب ونقيق، ورغاء ونهيق، فمرّة يكفّرون هـذا ومرّة يضلّلون ذاك، وأُخرى يفترون على ثالث، كاشفين بذلك عن خبث سرائرهم، وسوء دخائلهم وقبح عوارهم، وفي كلّ يوم لهم مع الآخرين سوءة بادية، وفرية واهية، وقالة نابية، وفعل طائش، وعمل شائن، بعيد كلّ البعد عن روح الإسلام المشرقة، ونابع من الفراغ الفكري.
وإذا ما اتّفق ورأيت على أحدهم سيماء حملة العلم، وحاورته وجادلته بالتي هي أحسن وجدته أجهل من راعي ضأن، وأنّ علمه كعلم الأباعر بما تحمل، وما أن تأخذه من بين يديه ومن خلفه، وتلوي عنقه بالدليل والبرهان، حتّى يبدأ باللغط والتهريج، وتغيير الموضوع الذي هو محلّ النقاش، وهذا دأب كلّ من تعوزه الحجّة والدليل.
نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الزلل وسوء المعتقد، إنّه سميع الدعاء، والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين وسلّم تسليما.
جواد حسين الورد
دمشق الشام
12 / جمادى الآخرة / 1424
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمّد وآله الطاهرين، وصحبه المنتجبين.
وبعـد..
فقد أطلعني بعض الفضلاء على مقالة منشورة على أحد مواقع الإنترنيت وطلب منّي أن أردّ عليها، وعندما سبرتها وجدتها عيبة سقطات، وعلبة سفاسف، ليس لها مسيس من الصحّة كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى، فلبّيت طلبه مقدّراً حرصه في الدفاع عن الحقّ، وإظهار الحقيقة.
وعندما أتممت كتابة الردّ(6) ، والذي كان بحدود ثلث مادّة هذا الكتاب، لم يتهيّأ لنا نشره على نفس الموقع لأسباب فنّية، فنشرناه في إحدى المجلاّت الفصلية، ثمّ اقترح علينا بعض الفضلاء، ببسط مادّة البحث في بعض المطالب، حتّى يكون أكثر نفعاً وفائدة، فاستحسنّا الفكرة، ووسّعنا بعض المطالب، وبالتحديد ما يرتبط بالتقيّة، وتعديل الصحابة، إضافة إلى بعض المواضيع النافعة التي اقتضاها سير البحث وقد ذكرناها استطراداً لارتباطها بالمقام، وعدم إخلالها بأصل المطلب تحشيةً ومتناً.
وكانت المقالة معنونة بعنوان (عرض عقائد الرافضة مع الإسلام ـ عقيدة أنّ القرآن الموجود محرّف ومبدّل فيه، أنّ الشيعة لا يؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدي المسلمين لوجوه ثلاثة...) .
والمقالة وإن كانت بعنوان التحريف إلاّ أنّها تشتمل على وجوه ثلاثة، ثالثها: التحريف، وثانيها: يتعلق بعدالة الصحابة والرواية عنهم، وأوّل هذه الوجوه يتضمّن موضوع التقيّة.
وعليه سيكون ردّنا في ثلاثة مباحث وفقاً لهذه الوجوه.
وسوف نردّ عليها بعد إيراد كلّ وجه ونبيّن بالتالي من هو الذي يقول بالتحريف ـ نعوذ بالله تعالى ـ ومن هو أولى بهذه الوصمة، الشيعة أم السُنّة؟ والله المعين.

 

__________
(1) الإيمان والإسلام ص 78 ط/ إسطنبول 1986.
(2) السلفية مرحلة زمنية ص 236.
(3) السلفية مرحلة زمنية ص 13.
(4) السلفية مرحلة زمنية ص 230 ـ 231.
(5) السلفية مرحلة زمنية ص 237.
(6) اعتمدنا في ردّنا وغالب نقولاتنا على المصادر المعتمدة في الحديث عند أهل السنّة والجماعة، كالجوامع والسنن والمسانيد الستّة عشر، التي هي في عداد الصحيح أو بحكمه أو من الحسان، وهي:
صحيح البخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وابن حبّان، ومستدرك الحاكم، والمختارة ـ للضياء ـ وهؤلاء اشترطوا الصحّة في جوامعهم.
وبإضافة سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة إلى الشيخين على رأي المقدسي.
وسنن الدارمي على رأي بعضهم، وموطّأ مالك على رأي رزين العبدري، وابن الأثير.
أو ما يسمّى بالكتب العشرة حسب تقسيم ابن كثير والهيثمي، وغيرهما، بإضافة مسند أحمد ومعجم الطبراني ومسند أبي يعلى ومسند البزّار إلى الستّة، فهذه ستّة عشر.
مضافاً إلى بعض المصنّفات التي هي في حكم الصحيح على رأي بعضهم كالمنتقى ـ لابن الجاورد ـ والذي عدّه ابن حزم بعد البخاري ومسلم وصحيح ابن السكن، وتهذيب الآثار ـ لابن جرير ـ وشرح معاني الآثار ـ للطحاوي ـ، ومنتخب عبد بن حميد، ومستخرج (مسند) أبي عوانة، وسنن الدارقطني، وغيرها من المصنّفات المعتبرة، كمسند الحميدي، ومصنّفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وسنن سعيد بن منصور، ومسند الطيالسي، ومسند علي بن الجعد، ومسند الروياني، ومسند الشاشي، وسنن البيهقي، وتاريخ ابن عساكر.
وكذا الحال بالنسبة لمصادر الفقه، والأصلين، والتفسير، والتاريخ، وباقي الموضوعات، حتّى تكون أبلغ في الحجّة.


طباعة   البريد الإلكتروني