التوحيد عند الامام علي(عليه السلام)

(وقت القراءة: 3 - 6 دقائق)

2900التوحيد عند الشيعة يمثل طرح الإمام علي(عليه السلام)حول قضية التوحيد الاصل الذي تعتمد عليه الشيعة في تحديد رؤيتها تجاه هذه القضية.. وطرح الامام دقيق في مدلولاته مطابق في كل جوانبه القرآن والاحاديث المروية عن طريق آل البيت.. ويعد الامام علي اول من خاض في المعارف الالهية من امة محمد واول من اوضح معالمها والمتامل في نهج البلاغة

يكتشف ان هذا الكتاب يحوي طرحا فلسفيا بالنسبة للالهيات لا يفوقه اي طرح آخر..

وقد اخذت منه المدارس الفلسفية الاسلامية وارتوت من معينه واسست عليه تصوراتها واطروحاتها..

ولا يزال اصحاب العقول يقفون في انبهار امام هذا الكتاب ولسان حالهم يقول: ان مثل هذا الكتاب لا يمكن ان يكون منسوبا الا للامام علي..

وان ما يحويه هذا الكتاب بين دفتيه لا يمكن ان يكون الا نتاج مدرسة النبوة.. والامام في طرحه اعط‏ى مساحة للعقل والزمه بالنص في آن واحد وهذا من وجوه الاعجاز البلاغي في طرحه..

فعندما يتحدث الامام عن استحالة رؤية اللّه عقلا يقول: وامتنع على عين البصير ثم يقول ولا تحيط به الابصار.. ولا تراه النواظر(1).

وكلامه هذا يطابق العقل كما يطابق النص الواضح من قوله تعالى: (لا تدركه الابصار) وقوله (لن تراني).

وكل ما خلق اللّه للانسان من ادوات انما تؤكد الاستحالة العقلية، فان هذه الادوات المادية وهي الحواس لا تدرك الا المادة من جنسها..

والامام بقوله هذا قد ارسى قاعدة عدم الرؤية الا ان هذا لا يعني اطلاقا عدم وجوده سبحانه: فهو المعروف من غير رؤية واحق وابين مما ترى العيون..(2).

ويؤكد الامام وحدانية اللّه وتفرده سبحانه، في وصيته للامام الحسن(عليه السلام)بقوله: واعلم يا بني انه لو كان لربك شريك لاتتك رسله ولرايت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت افعاله وصفاته ولكنه اله واحد كما وصف نفسه لايضاده في ملكه احد ولا يزول ابدا ولم يزل..(3).

وبادق الالفاظ واكمل العبارات واوجز الكلمات يطرح الامام قضية توحيد صفات اللّه بقوله: فمن وصفه فقد حده ومن حده فقد عده..

فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه..

فلسنا نعلم من كنه عظمتك الا انا نعلم انك حي قيوم لا تاخذك سنة ولا نوم.. لم ينته اليك نظر ولم يدركك بصر..(4).

وقد سئل الامام: هل رايت ربك يا امير المؤمنين..؟

فقال: افاعبد ما لا ارى..؟

فقال السائل: وكيف تراه..؟

قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان.. قريب من الاشيا غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم بلا روية مريد لا بهمة. صانع لا بجارحة. لطيف لا يوصف بالخفا كبير لايوصف بالجفا بصير لا يوصف بالحاسة. رحيم لا يوصف بالرقة تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته..(5).

ان الامام يؤكد الصفات الثبوتية للّه سبحانه وتعالى مثل الارادة والبصر ويؤكد تباينه تعالى عن الاشيا وعدم تشبيهه بالمخلوقات وصفة الارادة والبصر من الصفات الذاتية للّه والتي هي عين ذاته ولا يجوز فصلها عنه ‏سبحانه، فهي اساس كمال الذات ونفيها يعني نقص الذات اما اللطف والصنع والرحمة فهي من صفات الافعال الحادثة على ذاته مثل الرزق.. ولا يجوز القول بانها عين الذات لان ذلك يستلزم حدوث‏الذات..

وقول الامام هذا انما يلخص عقيدة الشيعة في الاسما والصفات والتي تقول بان صفات اللّه هي عين ذاته وتعتبر صفات الذات اصلا وصفات الافعال فرعا مشتقا من هذا الاصل فالصنع والرزق فرع مشتق من الاصل‏وهو القدرة.. والسمع والبصر فرع مشتق من الاصل وهو العلم..

وقول الامام: قريب من الاشيا غير ملامس بعيد عنها غير مباين. صانع لا بجارحة لطيف لا يوصف.. بصير لا يوصف..

رحيم لا يوصف.. انما يؤكد عقيدة الشيعة التي ترفض التشبيه والتجسيم والتي دفعتها الى رفض‏الاحاديث المنسوبة للرسول صلى اللّه عليه و آله وسلم والتي تشير في ظاهرها الى التشبيه والتجسيم مثل حديث نزول اللّه وحديث رؤية اللّه وحديث ضحك اللّه وفرحه ووضع قدمه في النار وغيرها..

ثم يقول الامام(عليه السلام): كل شي‏ء خاشع له. كل شي‏ء قائم به. غنى كل فقير وعز كل ذليل وقوة كل ضعيف ومفزع كل ملهوف. من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فاليه منقلبه، لم‏ترك العيون فتخبر عنك بل كنت قبل الواصفين من خلقك. لم تخلق الخلق لوحشة ولا استعملتهم لمنفعة ولا يسبقك من طلبت ولا يفلتك من اخذت ولا ينقص سلطانك من عصاك ولا يزيد في ملكك من‏اطاعك. ولا يرد امرك من سخط قضاك ولا يستغني عنك من تولى عن امرك. كل سر عندك علانية. وكل غيب عندك شهادة. انت الابد فلا امد لك وانت المنتهى فلا محيص عنك وانت الموعد فلا منجى منك‏الا اليك. بيدك ناصية كل دابة واليك مصير كل نسمة سبحانك ما اعظم شانك سبحانك ما اعظم ما نرى من خلقك وما اصغر عظيمة في جانبقدرتك وما اهون ما نرى من ملكوتك وما احقر ذلك فيما غاب عنامن سلطانك وما اسبغ نعمك في الدنيا وما اصغرها في نعم الاخرة..(6).

ولان الظلم احد مداخل الشرك وسلم الوصول الى الشك في حكمة اللّه وقضائه وقدره ركز الامام عليه وحدد معالمه كاشفا حقيقة العدل ودوره في توطيد الاعتقاد الصحيح وتحقيق الاستقرار الايماني..

يقول الامام عن اللّه سبحانه وتعالى: وارتفع عن ظلم عباده وقام بالقسط في خلقه وعدل عليهم في حكمه..(7).

يقول الدكتور اليحفوفي: ومن الضروري جدا ان يكون اللّه عادلا والادلة العقلية على هذه الضرورة كثيرة نذكر منها دليلا واحدا مفاده ان الباعث للظلم الذي هو ضد العدل احد اشيا. اما الجهل بقبح الظلم اوالحاجة اليه لتثبيت ملك او سلطان او العجز عن تفاديه وكل هذه الامور ممتنعة عليه تعالى. لان كونه عالما يقتضي علمه بقبح القبيح. وكونه غنيا مطلقا يقتضي عدم حاجته للغير وكونه القادر على كل شي‏ء يقتضي‏قدرته على تفادي الظلم واذا كان الظلم مستحيلا عليه تعالى فان العدل يكون ضروريا..(8).

من هنا اعتبر الشيعة العدل احد مشتقات التوحيد واصلا من اصول العقيدة مما ميزهم عن اهل السنة الذين جوزوا على اللّه سبحانه ما ينافي العدل..(9).

ويحدد الامام المفهوم الحق للقضا والقدر مبددا ذلك الفهم الخاط‏ى‏ء الذي طرا على ذهن احد اتباعه في مسيرة الى اهل الشام: ويحك ظننت قضا لازما وقدرا حاتما ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط‏الوعد والوعيد. ان اللّه سبحانه امر عباده تخييرا ونهاهم تحذيرا..(10).

والمتواتر عن اهل البيت الذي تلتزم به الشيعة الامامية هو لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين..

وكما يقول الامام ان اللّه سبحانه امر عباده تخييرا ونهاهم تحذيرا.. ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها..(11).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - نهج البلاغة، ج‏1.

2 - المرجع السابق: ج‏1/158، ج‏2/280.

3 - المرجع السابق: ج‏2/44.

4 - المرجع السابق: ج‏1/290.

5 - المرجع السابق: ج‏2/534.

6 - المرجع السابق: ج‏2/227.

7 - المرجع السابق: ج‏1/35.

8 - بحوث في نهج البلاغة، ج‏1، الفلسفة الالهية ط. بيروت.

9 - يرفض اهل السنة وعلى راسهم الاشعري الحسن والقبح العقليين ويعتبرون الحسن ما حسنه الشرع والقبح ما قبحه الشرع وقد انبنى على هذه القاعدة جواز وقوع العبد في الشر والقبيح بتوجيه من اللّه تعالى‏باعتبار ان الخالق لا يخلق شيئا الا وله عاقبة حميدة وان لم نطلع عليها فجزمنا بان ما نستقبحه من الافعال قد يكون له فيها حكم ومصالح كما في خلق الاجسام الخبيثة الضارة بخلاف الكسب فانه قد يفعل

الحسن‏وقد يفعل القبيح على حد قول التفتازاني في شرح العقائد النسفية وتذهب الاشاعرة الى ان كل المعاصي الواقعة في الوجود من الشرك والظلم والجور والعدوان وانواع الشرور تتم برضا اللّه. انظر مقالات الاسلاميين والابانة في اصول الديانة وكتب العقائد عند اهل السنة..

10 - الكافي للكليني.

11 - نهج البلاغة: ج‏2/153...

مؤلف: الدكتور صالح الورداني


طباعة   البريد الإلكتروني