الرجعة عند الشيعة الإمامية

(وقت القراءة: 13 - 25 دقائق)

جاء فی الاعتقادات - الشيخ المفيد ص 60، 63: قال الشيخ رحمه الله اعتقادنا في الرجعة أنها حق. وقد قال تعالى: "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم". كان هؤلاء سبعين ألف بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة، فيخرج الأغنياء لقوتهم، ويبقى الفقراء لضعفهم. فيقل الطاعون في الذين يخرجون، ويكثر في الذين يقيمون، فيقولون الذين يقيمون: لو خرجنا لم أصابنا الطاعون، ويقول الذين خرجوا: لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم. فأجمعوا على أن يخرجوا جميعا من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم، فنزلوا على شط بحر، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا، فماتوا جميعا، فكنستهم المارة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله. ثم مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرميا، فقال: "لو شئت يا رب لأحييتهم فيعمروا بلادك، ويلدوا عبادك، وعبدوك مع من يعبدك". فأوحى الله تعالى إليه: "أفتحب أن أحييهم لك؟". قال: "نعم". فأحياهم الله وبعثهم معه.

فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلى الدنيا، ثم ماتوا باجالهم. وقال تعالى: {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك اية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير}. فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها، ثم مات بأجله، وهو عزير.

وقال تعالى في قصة المختارين من قوم موسى لميقات ربه: {ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون}. وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله، قالوا: لا نصدق به حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا، فقال موسى عليه السلام: "يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم؟". فأحياهم الله له فرجعوا إلى الدنيا، فأكلوا وشربوا، ونكحوا النساء، وولد لهم الأولاد، ثم ماتوا باجالهم.

وقال الله عز وجل لعيسى عليه السلام: {وإذ تخرج الموتى بإذني}. فجميع الموتى الذين أحياهم عيسى عليه السلام بإذن الله رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها، ثم ماتوا باجالهم.

وأصحاب الكهف {لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا}. ثم بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم، وقصتهم معروفة.

فإن قال قائل: إن الله عز وجل قال: {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}. قيل له: فإنهم كانوا موتى، وقد قال الله تعالى: {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.

وإن قالوا كذلك فإنهم كانوا موتى. ومثل هذا كثير. وقد صح أن الرجعة كانت في الأمم السالفة، وقال النبي صلى الله عليه واله: "يكون في هذه الأمة مثل ما يكون في الأمم السالفة، حذوا النعل بالنعل، والقذة بالقذة". فيجب على هذا الأصل أن تكون في هذه الأمة رجعة. وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي نزل عيسى بن مريم فيصلي خلفه، ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته لأن الله تعالى قال: {إني متوفيك ورافعك إلي}. وقال: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}. وقال تعالى: {ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب باياتنا}.

فاليوم الذي يحشر فيه الجميع غير اليوم الذي يحشر فيه فوج.

وقال تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعني في الرجعة، وذلك أنه يقول تعالى: {ليبين لهم الذي يختلفون فيه} والتبيين يكون في الدنيا لا في الاخرة.

وسأجرد في الرجعة كتابا أبين فيه كيفيتها والدلالة على صحة كونها إن شاء الله.

والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر، لأن في التناسخ إبطال الجنة والنار.

الشيخ المفيد

متوفى 413 هجري

أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 77، 78: القول في الرجعة

وأقول: إن الله تعالى يرد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعز منهم فريقا ويذل فريقا ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي ال محمد عليهم السلام و عليه السلام.

وأقول: إن الراجعين إلى الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في الإيمان، وكثرت أعماله الصالحات، وخرج من الدنيا على اجتناب الكبائر الموبقات، فيريه الله عزوجل دولة الحق ويعزه بها ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه والاخر من بلغ الغاية في الفساد وانتهى في خلاف المحقين إلى أقصى الغايات وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القران بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار والإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذا منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه.

تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد ص 79، 93: فصل: في النفوس والأرواح

قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: اعتقادنا في النفوس أنها هي الأرواح، وأنها الخلق الأول، وأنها خلقت للبقاء، وأنها في الأرض غريبة، وفي الأبدان مسجونة.

قال الشيخ أبو عبد الله: كلام أبي جعفر في النفس والروح على مذهب الحدس دون التحقيق، ولو اقتصر على الأخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه.

[قال الشيخ أبو عبد الله: النفس عبارة] عن معان: أحدها: ذات الشيء، والثاني الدم السائل، والثالث: النفس الذي هو الهواء، والرابع: الهوى وميل الطبع.

فأما شاهد المعنى الأول، فهو قولهم: هذا نفس الشيء أي: ذاته وعينه، وشاهد الثاني قولهم: كل ما كانت [له نفس] سائلة فحكمه كذا وكذا، وشاهد الثالث قولهم: فلان هلكت نفسه، إذا انقطع نفسه ولم يبق في جسمه هواء يخرج من جوانبه، وشاهد الرابع قول الله تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء} يعني: الهوى داع إلى القبيح، وقد يعبر بالنفس عن النقم، قال الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} يريد به: نقمه وعقابه.

فصل: [قال الشيخ المفيد: وأما الروح] فعبارة عن معان: أحدها: الحياة، والثاني القران، والثالث: ملك من ملائكة الله تعالى، والرابع: جبرئيل عليه السلام.

فشاهد الأول قولهم: كل ذي روح فحكمه كذا وكذا، يريدون: كل ذي حياة، وقولهم في من مات: قد خرجت منه الروح، يعنون به الحياة، وقولهم في الجنين صورة لم تلجه الروح، يريدون: لم تلجه الحياة. وشاهد الثاني قوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} يعني به: القران. وشاهد الثالث قوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة} الاية. وشاهد الرابع قوله تعالى: {قل نزله روح القدس} يعني: جبرئيل عليه السلام.

فأما ما ذكره الشيخ أبو جعفر ورواه: أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد بألفي عام؟ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، فهو حديث من أحاديث الاحاد وخبر من طرق الأفراد، وله وجه غير ما ظنه من لا علم له بحقائق الأشياء، وهو أن الله تعالى خلق الملائكة قبل البشر بألفي عام، فما تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عند خلق البشر، وما لم يتعارف منها إذ ذاك اختلف بعد خلق البشر، وليس الأمر كما ظنه أصحاب التناسخ ودخلت الشبهة فيه على حشوية الشيعة فتوهموا أن الذوات الفعالة المأمورة والمنهية كانت مخلوقة في الذر تتعارف وتعقل وتفهم وتنطق، ثم خلق الله لها أجسادا من بعد ذلك فركبها فيها، ولو كان ذلك كذلك لكنا نعرف نحن ما كنا عليه، وإذا ذكرنا به ذكرناه ولا يخفى علينا الحال فيه، ألا ترى أن من نشأ ببلد من البلاد فأقام فيه حولا ثم انتقل إلى غيره لم يذهب عنه علم ذلك وإن خفي عليه لسهوه عنه فذكر به ذكره، ولولا أن الأمر كذلك لجاز أن يولد إنسان منا ببغداد وينشأ بها ويقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل إلى مصر اخر فينسى حاله ببغداد ولا يذكر منها شيئا، وإن ذكر به وعدد عليه علامات حاله ومكانه ونشوئه أنكرها، وهذا ما لا يذهب إليه عاقل، وكذا ما كان ينبغي لمن لا معرفة له بحقائق الأمور أن يتكلم فيها على خبط عشواء. والذي صرح به أبو جعفر رحمه الله في معنى الروح والنفس هو قول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم فالجناية بذلك على نفسه وعلى غيره عظيمة.

فأما ما ذكره من أن الأنفس باقية فعبارة مذمومة ولفظ يضاد ألفاظ القران.

قال الله تعالى: {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} والذي حكاه من ذلك وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن الأنفس لا يلحقها الكون والفساد، وأنها باقية، وإنما تفنى وتفسد الأجسام المركبة، وإلى هذا ذهب بعض أصحاب التناسخ، وزعموا أن الأنفس لم تزل تتكرر في الصور والهياكل لم تحدث ولم تفن ولن تعدم، وأنها باقية غير فانية، وهذا من أخبث قول وأبعده من الصواب، وبما دونه في الشناعة والفساد شنع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم إلى الزندقة، ولو عرف مثبته ما فيه لما تعرض له، لكن أصحابنا المتعلقين بالأخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة يمرون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث ولا ينظرون في سندها، ولا يفرقون بين حقها وباطلها، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها، ولا يحصلون معاني ما يطلقونه منها.

والذي ثبت من الحديث في هذا الباب أن الأرواح بعد موت الأجساد على ضربين: منها ما ينقل إلى الثواب والعقاب، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب.

وقد روي عن الصادق عليه السلام ما ذكرناه في هذا المعنى وبيناه، فسئل عمن مات في هذه الدار أين تكون روحه؟ فقال عليه السلام: من مات وهو ماحض للإيمان محضا أو ماحض للكفر محضا نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة، وجوزي بأعماله إلى يوم القيامة، فإذا بعث الله من في القبور أنشأ جسمه ورد روحه إلى جسده وحشره ليوفيه أعماله، فالمؤمن تنتقل روحه من جسده إلى مثل جسده في الصورة، فيجعل في جنة من جنان الله يتنعم فيها إلى يوم الماب، والكافر تنتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه فتجعل في نار فيعذب بها إلى يوم القيامة، وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى: {قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي} وشاهد ما ذكرناه في الكافر قوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ال فرعون أشد العذاب} فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته وقد ادخل الجنة: يا ليت قومي يعلمون، وأخبر أن كافرا يعذب بعد موته غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة يخلد في النار.

والضرب الاخر: من يلهى عنه وتعدم نفسه عند فساد جسمه، فلا يشعر بشيء حتى يبعث، وهو من لم يمحض الإيمان محضا، ولا الكفر محضا.

وقد بين الله تعالى ذلك عند قوله: {إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما} فبين أن قوما عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتى يظن بعضهم أن ذلك كان عشرا، ويظن بعضهم أن ذلك كان يوما، وليس يجوز أن يكون ذلك عن وصف من عذب إلى بعثه أو نعم إلى بعثه، لأن من لم يزل منعما أو معذبا لا يجهل عليه حاله فيما عومل به، ولا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته.

وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إنما يسأل في قبره من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا، فأما ما سوى هذين فإنه يلهى عنه.

وقال في الرجعة: إنما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا، فأما ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم الماب.

وقد اختلف أصحابنا رضي الله عنهم فيمن ينعم ويعذب بعد موته، فقال بعضهم: المعذب والمنعم هو الروح التي توجه إليها الأمر والنهي والتكليف، وسموها (جوهرا).

وقال اخرون: بل الروح الحياة، جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا، وكلا الأمرين يجوزان في العقل، والأظهر عندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب، وهو الذي يسميه الفلاسفة (البسيط).

وقد جاء في الحديث أن الأنبياء صلوات الله عليهم خاصة والأئمة عليهم السلام من بعدهم ينقلون بأجسادهم وأرواحهم من الأرض إلى السماء، فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا. وهذا خاص بحجج الله تعالى دون من سواهم من الناس. وقد روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي من بعيد بلغته، وقال صلى الله عليه واله: من صلى علي مرة صليت عليه عشرا، ومن صلى علي عشرا صليت عليه مائة، فليكثر امرؤ منكم الصلاة علي أو فليقل. فبين أنه صلى الله عليه واله بعد خروجه من الدنيا يسمع الصلاة عليه، ولا يكون كذلك إلا وهو حي عند الله تعالى، وكذلك أئمة الهدى عليهم السلام يسمعون سلام المسلم عليهم من قرب، ويبلغهم سلامه من بعد، وبذلك جاءت الاثار الصادقة عنهم عليهم السلام. وقد قال الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} الاية.

وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه وقف على قليب بدر فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ وقد القوا في القليب: لقد كنتم جيران سوء لرسول الله، أخرجتموه من منزله وطردتموه، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فقال له عمر يا رسول الله، ما خطابك لهام قد صديت؟ فقال له: مه يا ابن الخطاب! فوالله ما أنت بأسمع منهم، وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد إلا أن أعرض بوجهي هكذا عنهم.

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة فصار يتخلل بين الصفوف حتى مر على كعب بن سورة وكان هذا قاضي البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب، فأقام بها قاضيا بين أهلها زمن عمر وعثمان، فلما وقعت الفتنة بالبصرة علق في عنقه مصحفا وخرج بأهله وولده يقاتل أمير المؤمنين، فقتلوا بأجمعهم فوقف عليه أمير المؤمنين عليه السلام وهو صريع بين القتلى، فقال: أجلسوا كعب بن سورة، فأجلس بين نفسين، وقال له: يا كعب بن سورة، قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال: أضجعوا كعبا. وسار قليلا فمر بطلحة بن عبد الله صريعا، فقال: أجلسوا طلحة، فأجلسوه، فقال: يا طلحة، قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال: أضجعوا طلحة، فقال له رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك؟ فقال: مه يا رجل، فوالله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله عليه واله. وهذا من الأخبار الدالة على أن بعض من يموت ترد إليه روحه لتنعيمه أو لتعذيبه، وليس ذلك بعام في كل من يموت، بل هو على ما بيناه.

الفصول المختارة- الشيخ المفيد ص 153، 157: فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه: في الرجعة

قال الشيخ: سأل بعض المعتزلة شيخا من أصحابنا الإمامية وأنا حاضر في مجلس قد ضم جماعة كثيرة من أهل النظر والمتفقهة فقال له: إذا كان من قولك إن الله جل اسمه يرد الأموات إلى دار الدنيا قبل الاخرة عند قيام القائم عليه السلام ليشفى المؤمنين كما زعمتم من الكافرين وينتقم لهم منهم كما فعل ببني إسرائيل فيما ذكرتم حتى تتعلقون بقوله تعالى: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا} فخبرني ما الذي يؤمنك أن يتوب يزيد وشمر وعبد الرحمان بن ملجم ويرجعوا عن كفرهم وضلالهم ويصيروا في تلك الحال إلى طاعة الإمام عليه السلام فيجب عليك ولايتهم والقطع بالثواب لهم؟ وهذا نقض مذاهب الشيعة.

فقال الشيخ المسؤول: القول في الرجعة إنما قبلته من طريق التوقيف وليس للنظر فيه مجال وأنا لا أجيب عن هذا السؤال لأنه لا نص عندي فيه وليس يجوز أن أتكلف من غير جهة النص الجواب، فشنع السائل وجماعة المعتزلة عليه بالعجز والانقطاع.

وقال الشيخ أدام الله عزه: فأقول أنا أبين في هذا السؤال جوابين. أحدهما:

أن العقل لا يمنع من وقوع الإيمان ممن ذكره السائل لأنه (لا ن خ) يكون إذ ذاك قادرا عليه ومتمكنا منه لكن السمع الوارد عن أئمة الهدى عليه السلام بالقطع عليهم بالخلود في النار والتدين بلعنهم، والبراءة منهم إلى اخر الزمان منع من الشك في حالهم، وأوجب القطع على سوء اختيارهم فجروا في هذا الباب مجرى فرعون وهامان وقارون ومجرى من قطع الله عز اسمه على خلوده في النار ودل بالقطع على أنهم لا يختارون أبدا الإيمان ممن قال الله تعالى في جملتهم: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} يريد إلا أن يلجئهم الله، والذين قال الله تعالى فيهم: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} ثم قال جل من قائل في تفصيلهم وهو يوجه القول إلى إبليس: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} وقوله: {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} وقوله: {تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب} فقطع عليه بالنار وأمن من انتقاله إلى ما يوجب له الثواب، وإذا كان الأمر على ما وصفناه بطل ما توهموه على هذا الجواب.

والجواب الاخر: أن الله سبحانه إذا رد الكافرين في الرجعة لينتقم منهم لم يقبل لهم توبة وجروا في ذلك مجرى فرعون لما أدركه الغرق {قال امنت أنه لا إله إلا الذي امنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين}، قال سبحانه له: { الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} فرد الله عليه إيمانه ولم ينفعه في تلك الحال ندمه وإقلاعه، وكأهل الاخرة الذين لا تقبل لهم توبة ولا ينفعهم ندم لأنهم كالملجئين إذ ذاك إلى الفعل، ولان الحكمة تمنع من قبول التوبة أبدا وتوجب اختصاص بعض الأوقات بقبولها دون بعض.

وهذا هو الجواب الصحيح على مذهب أهل الإمامة، وقد جاءت به اثار متظاهرة عن ال محمد عليهم السلام حتى روي عنهم في قوله سبحانه: {يوم يأتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون} فقالوا: إن هذه الاية هو القائم عليه السلام، فإذا ظهر لم تقبل توبة المخالف، وهذا يسقط ما اعتمده السائل.

سؤال: فان قالوا في هذا الجواب: ما أنكرتم أن يكون الله سبحانه على ما أصلتموه قد أغرى عباده بالعصيان وأباحهم الهرج والمرج والطغيان لأنهم إذا كانوا يقدرون على الكفر وأنواع الضلال وقد يئسوا من قبول التوبة، لم يدعهم داع إلى الكف عما في طباعهم ولا انزجروا عن فعل قبيح يصلون به إلى النفع العاجل، ومن وصف الله سبحانه بإغراء خلقه بالمعاصي وإباحتهم الذنوب فقد أعظم الفرية عليه؟.

جواب: قيل لهم: ليس الأمر على ما ظننتموه وذلك أن الدواعي لهم إلى المعاصي ترتفع إذ ذاك ولا يحصل لهم داع إلى قبيح على وجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب لأنهم يكونون قد علموا بما سلف لهم من العذاب إلى وقت الرجعة على خلاف أئمتهم عليهم السلام ويعلمون في الحال أنهم معذبون على ما سبق لهم من العصيان، وأنهم إن راموا فعل قبيح تزايد عليهم العقاب ولا يكون لهم عند ذلك طبع يدعوهم إلى ما يتزايد عليهم به العذاب بل تتوفر لهم دواعي الطباع والخواطر كلها إلى إظهار الطاعة والانتقال عن العصيان، وإن لزمنا هذا السؤال لزم جميع أهل الإسلام مثله في أهل الاخرة وحالهم في إبطال توبتهم وكون توبتهم غير مقبولة منهم، فمهما أجاب به الموحدون لمن ألزمهم ذلك، فهو جوابنا بعينه.

سؤال اخر: وإن سألوا على المذهب الأول والجواب المتقدم فقالوا: كيف يتوهم من القوم الإقامة على العناد والإصرار على الخلاف وقد عاينوا فيما يزعمون عقاب القبور وحل بهم عند الرجعة العذاب على ما يعلمون مما زعمتم أنهم مقيمون عليه، وكيف يصح أن تدعوهم الدواعي إلى ذلك، ويخطر لهم في فعله الخواطر وما أنكرتم أن تكونوا في هذه الدعوى مكابرين؟.

الجواب: قيل لهم: يصح ذلك على مذهب من أجاب بما حكيناه من أصحابنا بان نقول: إن جميع ما عددتموه لا يمنع من دخول الشبهة عليهم في استحسان الخلاف لأن القوم يظنون أنهم إنما بعثوا بعد الموت تكرمة لهم وليلوا الدنيا كما كانوا، و ( لان خ ) يظنون أن ما اعتقدوه في العذاب السالف لهم كان غلطا منهم، وإذا حل بهم العقاب ثانية توهموا قبل مفارقة أرواحهم أجسادهم أن ذلك ليس من طريق الاستحقاق وأنه من الله تعالى لكنه كما تكون الدول وكما حل بالأنبياء.

ولأصحاب هذا الجواب أن يقولوا: ليس ما ذكرناه في هذا الباب بأعجب من كفر قوم موسى وعبادتهم العجل وقد شاهدوا منه الايات وعاينوا ما حل بفرعون وملئه على الخلاف، ولا هو بأعجب من إقامة أهل الشرك على خلاف رسول الله صلى الله عليه واله وهم يعلمون عجزهم عن مثل ما أتى به القران، ويشهدون معجزاته واياته عليه واله السلام، ويجدون مخبرات أخباره على حقائقها من قوله تعالى: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} وقوله: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله امنين} وقوله: {الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} وما حل بهم من العقاب بسيفه عليه واله السلام وهلاك كل من توعده بالهلاك، هذا وفيمن أظهر الإيمان به المنافقون ينضافون في خلافه إلى أهل الشرك والضلال.

على أن هذا السؤال لا يسوغ لأصحاب المعارف من المعتزلة لأنهم يزعمون أن أكثر المخالفين على الأنبياء كانوا من أهل العناد، وأن جمهور المظهرين للجهل بالله يعرفونه على الحقيقة ويعرفون أنبياءه وصدقهم ولكنهم في الخلاف على اللجاجة والعناد. فلا يمنع أن يكون الحكم في الرجعة وأهلها على هذا الوصف الذي حكيناه، وقد قال الله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} فاخبر سبحانه أن أهل العقاب لو ردهم الله تعالى إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر والعناد مع ما شاهدوا في القبور وفى المحشر من الأهوال وما ذاقوا من أليم العذاب.

المسائل السروية- الشيخ المفيد ص 30، 35: المسألة الأولى: في المتعة والرجعة

ما قول الشيخ المفيد أطال الله بقاءه، وأدام تأييده وعلاه، وحرس معالم الدين بحياطة مهجته، وأقر عيون الشيعة بنضارة أيامه فيما يروى عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام في الرجعة؟ وما معنى قوله عليه السلام "ليس منا من لم يقل بمتعتنا، ويؤمن برجعتنا" أهي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمنين، أو لغيرهم من الظلمة الجائرين قبل يوم القيامة؟

الجواب: وبالله التوفيق. إن المتعة التي ذكرها الصادق عليه السلام هي النكاح المؤجل الذي كان رسول الله صلى الله عليه واله أباحها لامته في حياته، ونزل القران بإباحتها أيضا، فتأكد ذلك بإجماع الكتاب والسنة فيه. حيث يقول الله عز وجل: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فاتوهن أجورهن فريضة}. فلم تزل على الإباحة بين المسلمين، لا يتنازعون فيها، حتى رأى عمر بن الخطاب النهي عنها، فحظرها وشدد في حظرها، وتوعد على فعلها فاتبعة الجمهور على ذلك، وخالفهم جماعة من الصحابة والتابعين فأقاموا على تحليلها إلى أن مضوا لسبيلهم.

واختص بإباحتها جماعة أئمة الهدى من ال محمد عليهم السلام، فلذلك أضافها الصادق عليه السلام إلى نفسه بقوله: "متعتنا".

وأما قوله عليه السلام: "من لم يقل برجعتنا فليس منا" فإنما أراد بذلك ما يختصه من القول به في أن الله تعالى يحيي قوما من أمة محمد صلى الله عليه واله بعد موتهم، قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختص به ال محمد صلى الله عليه واله وعليهم. وقد أخبر الله عز وجل في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}. وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة: {ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب باياتنا فهم يوزعون} فأخبر أن الحشر حشران: عام وخاص.

وقال سبحانه مخبرا عمن يحشر من الظالمين أنه يقول يوم الحشر الأكبر: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل}.

وللعامة في هذه الاية تأويل مردود، وهو: أن المعني بقوله: {ربنا أمتنا اثنتين} أنه خلقهم أمواتا ثم أماتهم بعد الحياة. وهذا باطل لا يجري على لسان العرب، لأن الفعل لا يدخل إلا على ما كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها، ومن خلقه الله مواتا لا يقال إنه أماته، وإنما يقال ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة. كذلك لا يقال أحيا الله ميتا إلا أن يكون قد كان قبل إحيائه ميتا. وهذا بين لمن تأمله. وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله: {ربنا أمتنا اثنتين} الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمسألة، فتكون الأولى قبل الإقبار، والثانية بعده. وهذا أيضا باطل من وجه اخر، وهو أن الحياة للمسألة ليست للتكليف فيندم الإنسان على ما فاته في حاله، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرتين يدل على أنه لم يرد حياة المسألة، لكنه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم والندم على تفريطهم، فلا يفعلون ذلك فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك.

المسائل السروية- الشيخ المفيد ص 35، 36: فصل: في من يرجع من الأمم

والرجعة عندنا تختص بمن محض الإيمان ومحض الكفر، دون ما سوى هذين الفريقين، فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشيطان أعداء الله عز وجل أنما ردوا الدنيا لطغيانهم على الله، فيزدادوا عتوا، فينتقم الله تعالى منهم بأوليائه المؤمنين، ويجعل لهم الكرة عليهم، فلا يبقى منهم أحد إلا وهو مغموم بالعذاب والنقمة والعقاب وتصفو الأرض من الطغاة، ويكون الدين لله تعالى.

والرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الأمم الخالية.

فصل: شبهة في الرجعة، وقد قال قوم من المخالفين لنا: كيف يعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب الله تعالى في البرزخ، وتيقنوا بذلك أنهم مبطلون؟! فقلت لهم: ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين يشاهدون في البرزخ ما يحل بهم من العذاب، ويعلمونه ضرروة بعد المدافعة لهم والاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا، فيقولون حينئذ: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين}. فقال الله عز وجل: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} فلم يبق للمخالف بعد هذا الاحتجاج شبهة يتعلق بها فيما ذكرناه، والمنة لله.

الشيخ المظفر

متوفى 1411 هجري

عقائد الإمامية - محمد رضا المظفر

إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن ال البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعز فريقا ويذل فريقا اخر ، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي ال محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام .

ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب ، كما حكى الله تعالى في قرانه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا

بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون : {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل} " المؤمن : 11 " . نعم قد جاء القران الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا ، وتظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة . والإمامية بأجمعها عليه إلا قليلون منهم تأولوا ما ورد في الرجعة بأن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى ال البيت بظهور الإمام المنتظر ، من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى .

والقول بالرجعة يعد عند أهل السنة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها .

ويبدو أنهم يعدونها بمنزلة الكفر والشرك بل أشنع ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تنبز به الشيعة الإمامية ويشنع به عليهم . ولا شك في أن هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الإسلامية فيما غبر ذريعة لطعن بعضها في بعض والدعاية ضده .

ولا نرى في الواقع ما يبرر هذا التهويل ، لأن الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد ولا في عقيدة النبوة ، بل يؤكد صحة العقيدتين ، إذ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالى كالبعث والنشر ، وهي من الأمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون

معجزة لنبينا محمد وال بيته صلى الله عليه وعليهم وهي عينا معجزة إحياء الموتى التي كانت للمسيح عليه السلام ، بل أبلغ هنا لأنها بعد أن يصبح الأموات رميما {قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم} "

يس : 79 " . وأما من طعن في الرجعة باعتبار أنها من التناسخ الباطل ، فلأنه لم يفرق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني ، والرجعة من نوع المعاد الجسماني ، فإن معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن اخر منفصل عن الأول ، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني ، فإن معناه رجوع نفس البدن الأول بمشخصاته النفسية فكذلك الرجعة .

وإذا كانت الرجعة تناسخا فإن إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام كان تناسخا ، وإذا كانت الرجعة تناسخا كان البعث والمعاد الجسماني تناسخا .

إذن ، لم يبق إلا أن يناقش في الرجعة من جهتين ( الأولى ) أنها مستحيلة الوقوع ( الثانية ) كذب الأحاديث الواردة فيها .

وعلى تقدير صحة المناقشتين فإنه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هو لها خصوم الشيعة . وكم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين هي من الأمور المستحيلة أو التي لم يثبت فيها نص صحيح ، ولكنها لم توجب تكفيرا وخروجا عن الإسلام ، ولذلك أمثلة كثيرة : منها الاعتقاد بجواز سهو النبي أو عصيانه ، ومنها الاعتقاد بقدم القران .

ومنها القول بالوعيد ، ومنها الاعتقاد بأن النبي لم ينص على خليفة من بعده . على أن هاتين المناقشتين لا أساس لهما من الصحة ، أما أن الرجعة مستحيلة فقد قلنا أنها من نوع البعث والمعاد الجسماني غير أنها بعث موقوت في الدنيا ، والدليل على إمكان البعث دليل على إمكانها .

ولا سبب لاستغرابها إلا أنها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا ، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يقربها إلى اعترافنا أو يبعدها وخيال الانسان لا يسهل عليه أن يتقبل تصديق ما لم يألفه ، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول {من يحيي العظام وهي رميم} فيقال له : {يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}.

نعم في مثل ذلك ، مما لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته أو نتخيل عدم وجود الدليل ، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الإلهي ، وقد ورد في القران الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الأموات كمعجزة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى {وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله}

وكقوله تعالى {أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه} والاية المتقدمة {قالوا ربنا أمتنا اثنتين} فإنه لا يستقيم معنى هذه الاية بغير الرجوع إلى الدنيا بعد الموت ، وإن تكلف بعض المفسرين في تأويلها بما لا يروي الغليل ولا يحقق معنى الاية .

وأما المناقشة الثانية ، وهي دعوى أن الحديث فيها موضوع ، فإنه لا وجه لها لأن الرجعة من الأمور الضرورية فيما جاء عن ال البيت من الأخبار المتواترة .

وبعد هذا ، أفلا تعجب من كاتب شهير يدعي المعرفة مثل أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) إذ يقول : (فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة)، فأنا أقول له على مدعاه: فاليهودية أيضا ظهرت في القران بالرجعة، كما تقدم ذكر القران لها في الايات المتقدمة.

ونزيده فنقول: والحقيقة أنه لا بد أن تظهر اليهودية والنصرانية في كثير من المعتقدات والأحكام الإسلامية لأن النبي الأكرم جاء مصدقا لما بين يديه من الشرائع السماوية وإن نسخ بعض أحكامها ، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الإسلامية ليس عيبا في الإسلام ، على تقدير أن الرجعة من الاراء اليهودية كما يدعيه هذا الكاتب.

وعلى كل حال فالرجعة ليست من الأصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها ، وإنما اعتقادنا بها كان تبعا للاثار الصحيحة الواردة عن ال البيت عليهم السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب، وهي من الأمور الغيبية التي أخبروا عنها، ولا يمتنع وقوعها.


طباعة   البريد الإلكتروني