حق الله تعالی

(وقت القراءة: 2 - 4 دقائق)

111ال

عن الإمام زين العابدين "عليه السلام":

"... فأمّا حق الله الأكبر فأن تعبده لا تشرك به شيئاً".

وجوب مراعاة الحق الإلهي:

لا شك أنّ على المخلوق حقوقاً تجاه خالقه ومولاه، وهذه الحقوق لا عدّ لها ولا حصر، إلاّ أنّ أجمعها وأهمّها ما ذكره الإمام علي "عليه السلام" بقوله: "... لكنّه سبحانه جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلاً منه" (1).

وعن الإمام زين العابدين "عليه السلام" أنّه قال: "فأمّا حق الله الأكبر عليك فأن تعبده لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدّنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منها" (2).

ويتفرّع عن الحقوق الإلهيّة حقُّ النّاس تجاه بعضهم البعض، فعن الإمام علي "عليه السلام" أنّه قال: "جعل الله سبحانه حقوق عباده مُقدّمة على حقوقه، فمن قام بحقوق عباد الله كان ذلك مؤدّياً إلى القيام بحقوق الله تعالى" (3).

التقصير في أداء الحق الإلهي:

ومن البديهي أنّه لا يمكن للإنسان أن يؤدّي حقّ الله تعالى مهما اجتهد وتعب في الطاعة والعبادة، فعن رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلّم" أنّه قال: "إنّ حقوق الله جلَّ ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد، وإنّ نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين" (4)، وعن الإمام علي "عليه السلام" أنّه قال: "ولا يؤدّي حقّه المجتهدون" (5).

ولذا كان الأولياء "عليهم السلام" يشعرون دائماً بالتقصير في العبادة والعمل، فعن الإمام الصادق "عليه السلام" أنّه قال: "أوحى الله عزّ وجل إلى موسى "عليه السلام": يا موسى أشكرني حق شكري، فقال: يا ربّ كيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به علي؟! فقال: يا موسى الآن شكرتني حيث علمت أن ذلك منّي" (6).

وعن الزهري قال: دخلت مع علي بن الحسين "عليه السلام" على عبد الملك، فاستعظم ما رأى من أثر السجود بين عينيه، فقال له: يا أبا محمد لقد تبيّن عليك الاجتهاد، ولقد سبق لك من الله الحُسنى، وأنت بضعة من النبي "صلى الله عليه وآله وسلّم"، فأجابه: "والله لو تقطّعت أعضائي وسالت مقلتاي على صدري في قيامي له تعالى لم أشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادّون، ويبلغ حدّ نعمة واحدة منها على جميع حمد الحامدين له تعالى ..." (7).

وإذا كان الأولياء "عليهم السلام" يشعرون بالتقصير مع اجتهادهم في المعرفة والعبادة والطاعة، فما حال مَنْ لا يبالي بربّه وخالقه ورازقه ويلجأ إلى غيره، ممّن لا حول له ولا قوّة له؟!

عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أنّه قال: " يا أبا ذر ... لا تصيب حقيقة الإيمان حتّى ترى النّاس كلهم حُمقاء في دينهم عقلاء في دنياهم" (8).

عن الإمام علي "عليه السلام" أنّه قال: "ما أعرف أحداً إلاّ وهو أحمق في ما بينه وبين ربّه" (9).

معنى حق الله تعالى:

هذا، ومن الضروري الالتفات إلى أنّ وجوب أداء حق الله تعالى لا يعني القيام به عن كراهية ونفور – كالعبيد الذين يطيعون ساداتهم من دون رغبة – فإنّ هذا الحق قائم على الذوبان في المولى وعدم رؤية النّفس على الإطلاق، وإلاّ، فليس هناك اثنينية بين الله والإنسان حتّى نقول: ما لنا وما عليه، لأنّ كل ما ذكر من الحقوق التي لنا إنّما هي تفضّل من الله تعالى علينا، وليس استحقاقاً منّا.

وإذا أردنا أن نقرّب هذا المعنى بالتشبيه فنقول: إنّ العلاقة بين الأم وولدها قائمة على أساس الذوبان والاندكاك والمحبّة في ما بينهما.

فالأم عندما تعطي ولدها وتتعب من أجله لا تفكر بحقوقها معه، بل تتوسل إليه أن يأكل ويشرب ويلبس ما يعود بالفائدة عليه لا عليها، وهكذا – ولله المثل الأعلى – حالنا مع الله تعالى، فما نقدّمه من عبادات هي غذاء روحي – كحليب الولد الذي هو غذاء جسدي وهو من حق الولد على أمّه -.

قال السيد القبانجي: "وما نجده من الآيات التي تدعو إلى الطاعة والتقوى والعبادة فليست مطالبة بحق الله بقدر ما هي إرشاد إلى ما يصلح حال الإنسان، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النجل: 97]. والشاهد على ذلك أنّ الله تعالى وعد الإنسان في جميع موارد الطاعة بالجنّة، ولم يعتبره تفضّلاً بل جرَّاء تلك الأعمال "جزاءً وفاقاَ" وما جاء من وعيد بالعقاب فلأنّ الأعمال القبيحة والمحرّمة تترك أثراً سلبيّاً وتتجسد في العذاب الأخروي" (10).

__________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 214.

(2) رسالة الحقوق.

(3) ميزان الحكمة: مادة "الحقوق".

(4) ميزان الحكمة: مادة "الحقوق".

(5) ميزان الحكمة: مادة "الحقوق".

(6) منهاج البراعة: ج1، ص 300.

(7) بهج البضاعة: ج1، ص 149.

(8) بحار الأنوار: ج77، ص 85.

(9) المصدر نفسه: ج75، ص 107.

(10) الله والإنسان: ص 54. 


طباعة   البريد الإلكتروني