مراحل العصمة وأدلتها

(وقت القراءة: 2 - 3 دقائق)

وقد وقفت على حقيقة العصمة ومايرجع إليها من المباحث الاستطرادية، فيجب الان الوقوف على مراحلها التالية: العصمة في تلقي الوحي، والحفاظ عليه، وإبلاغه إلى الناس وبعبارة أخرى العصمة في تبليغ الرسالة. العصمة في العصيان وارتكاب الذنب المصطلح. العصمة من الخطأ في الأمور الفردية والاجتماعية.

هذه هي مراحل العصمة وإليك دراستها على ضوء الكتاب والسنة والعقل.

المرحلة الأولى: العصمة في تبليغ الرسالة ذهب جمهور المسلمين من السنة والشيعة إلى عصمة الأنبياء من تبليغ الرسالة، واستدلوا عليه بالعقل والنقل، أما العقل فبوجوه أهمها ما ذكره المحقق الطوسي في تجريد الاعتقاد، «وهو حصول الوثوق بأفعاله وأقواله.»

توضيحه ان الهدف الأسمى والغاية القصوى من بعث الأنبياء وهداية الناس إلى التعاليم الإلهية والشرائع المقدسة ولا تحصل تلك الغاية إلا بإيمانهم بصدق المبعوثين، وإذعانهم بكونهم مرسلين من جانبه سبحانه، وان كلامهم وأقوالهم كلامه وقوله سبحانه، وهذا الإيمان والاذعان لا يحصل إلا بإذعان اخر وهو الإذعان بمصونيتهم من الخطأ في مجال تبليغ الرسالة، أعني المصونية في مقام أخذ الوحي أولا، والمصونية في مقام التحفظ عليه ثانيا، والمصونية في مقام الابلاغ والتبيين ثالثا ومثل هذا لا يحصل إلا بمصونية النبي عن الزلل والخطأ عمده وسهوه في تحمل رسالات الله وابلاغها لعباده.

ان الايات القرانية تؤكد على عصمة الأنبياء في أخذ الوحي وحفظه وإبلاغه، نقتصر منها بايتين:

الاية الأولى يقول سبحانه: ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) . ان الاية تصرح بان الهدف من بعث الأنبياء هو القضاء بين الناس في ما اختلفوا فيه، وليس المراد من القضاء إلا القضاء بالحق، وهو فرع وصول الحق إلى القاضي بلا تغيير وتحريف.

ثم إن نتيجة القضاء هي هداية من امن من الناس إلى الحق بإذنه كما هو صريح قوله: ( فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه)

والهادي وإن كان هو الله سبحانه في الحقيقة لكن الهداية تتحقق عبر بيان النبي، وبواسطته، وتحقق الهداية منه فرع كونه واقفا على الحق، بلا تحريف.

وكل ذلك يسلتزم عصمة النبي في تلقي الوحي والحفاظ عليه، وإبلاغه إلى الناس.

وبالجملة فالاية تدل على أن النبي يقضي بالحق بين الناس ويهدي المؤمنين إليه، وكل ذلك (أي القضاء بالحق أولا، وهداية المؤمنين إليه ثانيا) يستلزم كونه واقفا على الحق. على ما هو عليه وليس المراد من الحق إلا ما يوحى إليه.

الاية الثانية قوله سبحانه: ( وما ينطق عن الهوى* إن هو إلاوحي يوحى ) .

فالاية تصرح بأن النبي لا ينطق عن الهوى، أي لا يتكلم بداعي الهوى. فالمراد إما جميع ما يصدر عنه من القول في مجال الحياة كما هو مقتضى إطلاقه أو خصوص ما يحكيه من الله سبحانه، فعلى كل تقدير فهو يدل على صيانته وعصمته في المراحل الثلاث المتقدم ذكرها في مجال إبلاغ الرسالة.

وبما أن عصمة الأنبياء في تلك المرحلة مما اتفق عليها المحققون من أصحاب المذاهب والملل، فلنعطف عنان البحث إلى ما تضاربت فيه اراء المتكلمين، وإن كان للشيعة فيه قول واحد، وهو عصمتهم عن العصيان والمخالفة لأوامره ونواهيه قبل البعثة وبعدها.

  • ملخص كتاب العصمة / اية الله جعفر السبحاني.

طباعة   البريد الإلكتروني