مشهد رأس الحسين و السيدة زينب في مصر

(وقت القراءة: 5 - 9 دقائق)
مشهد رأس الحسين في مصر معلومات عامة: ذكرالدكتور علي الوردي في الصفحة «233» من كتابه « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » : « وقد شهدت المتصوفة يحتفلون بمولد السيدة زينب والامام الحسين في القاهرة ، فيقومون بحلقات الذكر ، ويخرجون بالمواكب والرايات على منوال يشبه من بعض الوجوه ما يفعله الشيعة في العراق ، احتفالاً بوفيات ائمتهم ... » . كما جاء في الصفحة «78» من كتاب « السيد محسن الامين ـ سيرته » عند وصفه رحلته سنة 1321 هـ الى الحجاز لأداء فريضة الحج ماراً بمدينة القاهرة بهذا الصدد قوله : « وزرنا مشهد رأس الحسين عليه السلام فيها ـ أي في القاهرة ـ فخلنا أنفسنا في كربلاء ، لأن ما يفعله المصريون في ذلك المشهد لا ينقص عما يفعله العراقيون الشيعة في كربلاء ، وهو مشهد مبني بناءً متقناً ورأينا فيه مدرساً معمماً جالساً على منبر صغير وحوله تلاميذ يستمعون الى درسه ... » . الموضوع: السيدة زينب (عليها السلام) معلومات عامة: كان وجود السيده زينب عليها السلام في مدينة الرسول بعد عودتها مع السبايا كافياً لأن يلهب شعور الحزن والأسى على شهداء كربلاء وأن يؤلب الناس على الطغاة وسفاكي الدماء ، حتى كاد الأمر من جزاء ذلك يفسد على بني أمية ، فكتب واليهم بالمدينة الى يزيد : « إن وجود زينب بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وأنها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين » . وفور تسلم يزيد ـ في الشام ـ هذه الرسالة من عامله والي المدينة أمره يزيد بأن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار . فطلب الوالي الى السيدة زينب بأن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء ، فامتنعت في بادئ الأمر عن الخروج من المدينة ، لكنها نزلت في النهاية على رأي نساء بني هاشم ، فخرجت من المدينة ، ورحلت الى مصر . وقد وصلتها في أول شعبان سنة «61» هـ ، أي بعد مجزرة كربلاء بأكثر من سبعة أشهر . واستقبلت من قبل أهالي مصر أعظم استقبال ، وساروا بها الى قرية قرب « بليبس » . وكان في مقدمة مستقبليها مسلمة بن مخلد الانصاري أمير مصر . فلما أطلت على المستقبلين أجهش الجميع بالبكاء وحفوا بركبها ، حتى إذ بلغت عاصمة مصر مضى بها « مسلمة » الى داره فأقامت بها قرابة عام . وفي خلال هذه السنة التي أقامتها بمصر بذرت بذور الحركة المعادية لبني أمية ، وأثارت الرأي العام المصري ضد من قاموا بقتل الامام الحسين وآله وأصحابه في كربلاء ، كما أقامت المآتم الخاصة والعامة على أرواح هؤلاء الشهداء الميامين . وقد ماتت السيد زينب عشية اليوم الرابع عشر من رجب ، سنة «62» هـ ولا زال قبرها منذ ذلك التاريخ حتى الآن في مصر مزاراً يفد اليه المسلمون للتبرك به . وهكذا أخذت المآتم والمناحات تقام في مختلف المدن والقرى والقصبات والدساكر المصرية سراً وجهراً على شهداء الطف بكربلاء رغم ماكانت تلاقي من معارضة ومناهضة القائمين بالسلطة والحكم من الامويين ، وقد اتسع نطاق إقامة هذه المآتم والأحزان والنياحات على استشهاد الامام الحسين عليه السلام في مجزرة كربلاء في جميع أكناف وأرجاء القطر المصري تدريجاً ، وخاصة على زمن الفاطميين الذين أطلقوا الحرية للمصريين بمزاولة شعائر العزاء والحزن لسيد الشهداء عليه السلام طوال السنة وبالأخص في العشرة الأولى من شهر محرم من كل سنة ، وخاصة يوم عاشوراء منه . وفيما يلي أنقل بعض النتف التاريخية من أوثق المصادر عن إقامة شعائر المأتم الحسيني في القطر المصري منذ وطئت قدم السيدة زينب أرض مصر : 1 ـ جاء في « موسوعة آل النبي » قسم « بطلة كربلاء » صفحة «755» ما نصه : « بزغ هلال شعبان عام 61 هـ في اللحظة التي وطئت قدم السيدة زينب أرض النيل ، فاذا جموع من الناس قد احتشدت لاستقبالها . وساروا هكذا حتى بلغوا قرية بلبيس ، فقابلتهم هناك جموع اخرى آتية من عاصمة الوادي الطيب . إنه مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في وفد من أعيان البلاد وعلمائها ، قد خرجوا للقاء بنت الزهراء والامام علي وأخت الامام الشهيد . فلما أطلعت عليهم بطلعتها المشرقة بنور الاستشهاد اجهشوا بالبكاء ، وحفوا بركبها ، حتى إذا بلغت العاصمة مضى بها مسلمة الى داره ، فأقامت بها قرابة عام لم تر خلالها إلا عابدة متبتلة . ثم كانت نهاية المطاف ، ماتت السيدة زينب عشية يوم الأحد ، لأربع عشرة مضين من رجب ، عام 62 هـ ، على أرجح الأقوال . وأغمضت العينان اللتان شهدتا مذبحة كربلاء وآن للجسد المتعب المضنى أن يستريح . فمهدت لها الارض الطيبة مرقداً لينا في مخدعها ، وحيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة . وبقي قبرها مزاراً مباركاً يفد اليه المسلمون حتى يومنا هذا من كل فج عميق .. » . وقالت الدكتورة بنت الشاطئ ايضاً في الصفحة «768» من موسوعتها ما يلي : « أجل ، هي زينب التي جعلت من مصرع أخيها الشهيد مأساة خالدة ، وصيرت من يوم مقتله ماتماً سنوياً للاحزان والآلام » . 2 ـ وبهذه المناسبة نوجز كلمة عن المكان الذي قبرت فيه السيد زينب . إذ إن الخلاف بين المؤرخين في مكان قبرها كبير ، فبعضهم أقر بوجوده في مصر بمحله الحالي المعروف ، وآخرون قالوا : إنه في دمشق . وأفاد غيرهم : إنه في المدينة . وأنقل فيما يلي رأى العلامتين ، السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، والسيد محسن الأمين العاملي ، حسماً للخلاف . سيما وانهما الحجتان في مثل هذه المواضيع ، واتبع ذلك بالمرويات عن النياحات الحسينية في مصر ، منذ وطئت قدم السيدة زينب تلك البلاد . 3 ـ جاء في الصفحة «256» من الجزء «6» من المجلد «3» من مجلة « المرشد » البغدادية ، بقلم العلامة الشهرساتي الحسيني ، ما نصه : « واختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب ، والمشهور انها دفنت في قناطر السباع بمصر » . وجاء في كتاب «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور» صفحة 235 ما يلي : «وعلى اختلاف الروايات ان للسيدة زينب مقامين : أحدهما بدمشق ، وهو مقصود من كل الجهات ، خصوصا من أهل الشيعة . والثاني بمصر ، وهو أشهر من الاول ، ولها أوقاف وايراد زائد من ديوان عموم الأوقاف المصرية ، ولها مسجد بمصر لم يوجد مثله » . وقال صاحب دائرة المعارف البستاني ، مجلد «9» صفحة «355» . « وللسيدة زينب ، بنت علي بن أبي طالب ، أخت الحسن والحسين ، مزار في قناطر السباع بمصر ، يزار ويتبرك به » . كما أن السيد محسن الأمين العاملي ذكر ضمن مقال عن الشيعة الاسماعيلية ، في الجزء «3» من المجلد «16» من مجلة العرفان بأن « مزار القبر المنسوب الى السيدة زينب في دمشق هو قبر السيدة زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم ، بنت الامام علي عليه السلام . ويقع بقرية راوية ، على بعد فرسخ من مدينة دمشق : » إنتهى كلام العلامة الشهرستاني الحسيني . 4 ـ أمّا العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد اشار الى هذا الموضوع في الجلد «33» في الصفحة «218» من موسوعته « أعيان الشيعة » حيث قال : « وهذا المشهد ـ أي مشهد زينب في مصر ـ مزار ، معظم ، مشيد البناء ، بناؤه غاية الاتقان ، فسيح الأرجاء دخلته وزرته في سفري الى الحجاز بطريق مصر ، عام «1340 هـ » ويعرف بمشهد السيدة زينب وأهل مصر يتوافدون لزيارته زرافات ووحدانا ، وتلقى فيه الدروس وهم يعتقدون أن صاحبته زينب بنت علي بن أبي طالب ، حتى إني رأيت كتاباً مطبوعاً بمصر لا أذكر اسمه الآن ، ولا اسم مؤلفه وفيه : إن صاحبة هذا المشهد هي زينب بنت علي بن أبي طالب ... » . وأنا أكتفي بهذا القدر من البحث عن قبر السيدة زينب ، وأعود الى موضوع الرسالة في المناحة على الامام الحسين في مصر منذ صدر الاسلام . 5 ـ جاء في كتاب « الدلائل والمسائل » لمؤلفه السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ما نصه : « وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر أقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضاً ، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلاً ، كما يخرج الرجال نهاراً ... » . 6 ـ جاء في الصفحة «66» في كتاب « دول الشيعة في التاريخ » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، ما نصه : « وعن خطط المقريزي : إن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الأخشيديين ، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين ، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الاسواق ، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالازقة والاسواق ، ويأتون الى مشهد أم كلثوم ونفيسة ، وهم نائحون باكون . وقال السيد مير علي في مختصر تاريخ العرب : وكان من أفخم عمارة القاهرة في عهد الفاطميين : الحسينية ، وهي بناء فسيح الارجاء ، تقام فيه ذكرى مقتل الحسين في موقعة كربلاء ، وأمعن الفاطمييون في إحياء هذه الشعائر وما إليها من شعار الشيعة حتى أصبحت جزء من حياة الناس ... » . 7 ـ ورد في الصفحة «159» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه : « وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (245): إن أبا عبيد الله النحوي بمصر قال : كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء ، فعوتب على ذلك فقال : وقائل : لــم كحلــت عينــاً ***** يــوم استبــاحوا دم الحسيـن فقلت : كفــوا ، أحــق شيء ***** تلبــس فيــه السـواد عينـي 8 ـ ولم يكد يستولي صلاح الدين الأيوبي على مصر إلا وأخذ بالضغط على الشيعة فيها ومطاردتهم ، ومنعهم عن إقامة شعائر الحزن والعزاء على الامام الحسين عليه السلام وقد تواترت أخبار المؤرخين في ذلك ، واتفقت كلمتهم على ذلك وفيما يلي بعض مروياتهم : 9 ـ جاء في كتاب « إقناع اللائم » صفحة «3» نقلاً عن خطط المقريزي ، في جزئه الثاني ، صفحة «385» ما عبارته : « فإنه ـ أي المقريزي ـ بعد ما ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن ، تعطل فيه الاسواق ، قال : فلما زالت الدولة ، اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسعون فيه على عيالهم ، ويتبسطون في المطاعم ، ويصنعون الحلاوات ، ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام ، جرياً على عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ، لأنه قتل فيه ... » . ثم قال : « وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب ، من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط ... » . 10 ـ جاء في الجزء الأول القسم الأول من موسوعة « أعيان الشيعة » صفحة «61» ما نصه : « وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا ، وذلك من الظلم الفاحش . وأعيد اتخاذ يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنه بني أمية والحجاج بالشام و غيرها ، وأحدث جعله عيداً بمصر ، ولم يكن معروفاً فيها بنص المقريزي » . 11 ـ ورد في الصفحة «92» من كتاب « الشيعة والحاكمون » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، عند ذكره مطاردة صلاح الدين الايوبي للفاطميين والشيعة في مصر قوله : « وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا وأعاد يوم قتل الحسنين عيداً الذي قد سنه بني أمية والحجاج ... » . 12 ـ وبمناسبة ذكر المناحات على الامام الشهيد في مصر ، وتأييدها حيناً ومنعها أحياناً ، حسب رغبة الحكام فيها ، لا أجد ضيراً من الاشارة الى المكان الذي قبر فيه رأس الامام الشهيد عليه السلام بعد نقله من كربلاء الى الكوفة ، ثم الشام ، ثم عسقلان والقاهرة ، واختلاف المؤرخين والمحققين في المكان الذي دفن فيه في نهاية المطاف ، ورأي الأكثرية منهم في انهم نقل على عهد الفاطميين من عسقلان الى القاهرة حيث وري التراب في محله الحالي في القاهرة . وهنا أكتفي برأي السيد حسن الامين ، المحقق المعاصر ، الذي أيد هذا الأمر في مقال تحقيقي نشرته له مجلة « العربي » الصادرة في الكويت ، بعددها «155» المؤرخ شعبان 1391 هـ حيث قال السيد الأمين ما نصه : « لقد دفن سليمان بن عبد الملك الأموي الرأس في مقابر المسلمين ، ولكن لا في دمشق بل في مدينة عسقلان بفلسطين لأنه حدس بأن سيكون لمدفن الرأس شأن يوماً ما فلم يشأ أن يكون هذا الشأن في دمشق ، فأبعده الى عسقلان وفي العام «548 هـ» نقل الفاطميون الرأس من مدفنه في عسقلان الى مكانه الحالي في القاهرة ... » . وقد كتب السيد الامين هذا البحث رداً على ما نشرته مجلة « العربي » بأن سليمان بن عبد الملك دفن الرأس في دمشق بمقابر المسلمين ، بعد نقله من مخازن الأسلحة فيها ، التي خزن فيها يزيد الرأس الشريف .

طباعة   البريد الإلكتروني