تاريخ ظهور الشيعة

(وقت القراءة: 5 - 9 دقائق)

زعم غیر واحد من الکتّاب القدامى والجدد، أنّ التشیّع کسائر المذاهب الإسلامیّة، من إفرازات الصراعات السیاسیّة، وذهب بعض آخر إلى القول إنّه نتیجة الجدال الکلامی والصراع الفکری، فأخذوا یبحثون عن تاریخ نشوئه وظهوره فی الساحة الإسلامیّة، وکأنّهم یتلقّون التشیّع کظاهرة طارئة على المجتمع الإسلامی، ویظنّون أنّ القطاع الشیعی من جسم الأُمّة الإسلامیّة، باعتباره قطاعاً تکوّن على مرّ الزمن؛ لأحداث وتطورات سیاسیّة أو اجتماعیّة أو فکریّة، أدَّت إلى تکوین ذلک المذهب کجزء من ذلک الجسم الکبیر، ثُمَّ اتسع ذلک الجزء بالتدریج.
وبعد أن افترض هؤلاء أنّه أمر طارئ، أخذوا بالفحص والتفتیش عن علّته أو علله، فذهبوا فی تعیین المبدأ إلى کونه ردّة فعل سیاسیّة أو فکریّة، ولکنّهم لو کانوا عارفین أنّ التشیّع وُلِد منذ عهد النبیّ الأکرم (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم)؛ لَمَا تسرّعوا فی إبداء الرأی فی ذلک المجال، ولعلموا أنّ التشیّع والإسلام وجهان لعملة واحدة، ولیس للتشیّع تاریخ ولا مبدأ، سوى تاریخ الإسلام ومبدئه، وانّ النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) هو الغارس لبذرة التشیّع فی صمیم الإسلام، من أوّل یوم أمَر بالصدع وإظهار الحقیقة، إلى أن لبىَّ دعوة ربه.

فالتشیّع لیس إلاّ عبارة عن استمرار قیادة النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) بعد وفاته، عن طریق من نصبه إماماً للناس وقائداً للأُمّة، حتّى یرشدها إلى النهج الصحیح والهدف المنشود، وکان هذا المبدأ أمراً رکّز علیه النبیّ فی غیر واحد من المواقف الحاسمة، فإذا کانّ التشیع متبلوراً فی استمرار القیادة بالوصیّ، فلا نجد له تاریخاً سوى تاریخ الاسلام، والنصوص الواردة عن رسوله (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم).
والشیعة هم المسلمون من المهاجرین والأنصار، ومن تبعهم بإحسان فی الأجیال اللاحقة، هم الّذین بقوا على ما کانوا علیه فی عصر الرسول فی أمر القیادة، ولم یغیّروه، ولم یتعدّوا عنه إلى غیره، ولم یأخذوا بالمصالح المزعومة فی مقابل النصوص، وصاروا بذلک المصداق الأبرز لقوله سبحانه: (یَا أَیّهَا الّذِینَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(1).
ففزعوا فی الأُصول والفروع إلى علیّ وعترته الطاهرة، وانحازوا عن الطائفة الأُخرى؛ الّذین لم یتعبدوا بنصوص الخلافة والولایة وزعامة العترة؛ حیث ترکوا النصوص وأخذوا بالمصالح.
إنّ الآثار المرویّة فی حق شیعة الإمام عن لسان النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) ترفع اللّثام عن وجه الحقیقة، وتُعرب عن التفاف قسم من المهاجرین حول الوصیّ، فکانوا معروفین بشیعة علیّ فی عصر الرسالة، وأنّ النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) وصفهم فی کلماته بأنّهم هم الفائزون، وإن کنت فی شک من هذا الأمر، فسأتلو علیک بعض ما ورد من النصوص فی المقام.
ـــــــــــــ
(1) الحجرات: 1.

1 ـ أخرج ابن مردویه، عن عائشة، قالت: قلت: یا رسول الله من أکرم الخلق على الله؟، قال: یا عائشة، أما تقرأین (إِنّ الّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیّةِ)(1).(2)
2 ـ أخرج ابن عساکر، عن جابر بن عبد الله، قال: کنّا عند النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم)، فأقبل علیّ، فقال النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم): ((والّذی نفسی بیده، إنّ هذا وشیعته لهم الفائزون یوم القیامة))، ونزلت: (إِنّ الّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیّةِ)، فکان أصحاب النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم)، إذا أقبل علیّ قالوا: جاء خیر البریّة.(3)
3 ـ أخرج ابن عدی، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت (إِنّ الّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیّةِ) قال رسول الله (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) لعلی: ((هو أنت وشیعتک یوم القیامة، راضین مرضیّین)).(4)
4 ـ أخرج ابن مردویه، عن علیّ، قال: قال لی رسول الله (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم): ((ألم تسمع قول الله: (إِنّ الّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیّةِ) أنت وشیعتک، وموعدی وموعدکم الحوض، إذا جاءت الأُمم للحساب تدعون غرّاً محج<لین)).(5)
5 ـ روى ابن حجر فی صواعقه، عن أُم سلمة: کانت لیلتی، وکان النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) عندی، فأتته فاطمة، فتبعها علیّ (رضی الله عنه)، فقال النبیّ: ((یا علیّ أنت وأصحابک فی الجنّة، أنت وشیعتک فی الجنة)).(6)
ـــــــــــــــــ
(1) البینة: 7.
(2 و3 و4 و5) الدر المنثور: 6/589.
(6) الصواعق: 161.

6 ـ روى أحمد فی المناقب: إنّه (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم) قال لعلیّ: ((أمَا ترضى أنّک معی فی الجنّة، والحسن والحسین وذریّتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذریّتنا، وشیعتنا عن أیماننا وشمائلنا)).(1)
7 ـ أخرج الدیلمی: (یا علیّ، إنّ الله قد غفر لک ولذریّتک ولولدک ولأهلک ولشیعتک، فابشر إنّک الأنزع البطین).(2)
8 ـ روى المغازلی بسنده عن أنس بن مالک، قال: قال رسول الله (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم): ((یدخلون من أُمّتی الجنة سبعون ألفاً لا حساب علیهم))، ثُمَّ التفت إلى علیّ، فقال: ((هم شیعتک وأنت أمامهم)).(3)
إلى غیر ذلک من الروایات الّتی تُعرب عن أنّ علیّاً (علیه السّلام) کان متمیّزاً بین أصحاب النبیّ؛ بأنّ له شیعة وأتباعاً، ولهم مواصفات وسمات کانوا مشهورین بها، فی حیاة النبیّ وبعدها.
الشیعة فی کلمات المؤرّخین وأصحاب الفِرق:
قد غلب استعمال الشیعة بعد عصر الرسول، تبعاً له فیمن یوالی علیّاً وأهل بیته، ویعتقد بإمامته ووصایته، ویَظهر ذلک من خلال کلمات المؤرّخین وأصحاب المقالات؛ نشیر إلى بعضها:
1 ـ روى المسعودی فی حوادث وفاة النبیّ: إنّ الإمام علیّاً أقام ومن
ــــــــــــــــ
(1) الصواعق: 161.
(2) المصدر نفسه.
(3) مناقب المغازلی: 293.

معه من شیعته فی منزله، بعد أن تمّت البیعة لأبی بکر.(1)
2 ـ وقال النوبختی (المتوفّى 313هـ): إنّ أوّل الفِرق، الشیعة؛ وهم فِرقة علیّ بن أبی طالب، المسمّون شیعة علیّ فی زمان النبیّ وبعده، معروفون بانقطاعهم إلیه، والقول بإمامته.(2)
3 ـ وقال أبو الحسن الأشعری: وإنّما قیل لهم: الشیعة، لأنّهم شایعوا علیّاً، ویقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم).(3)
4 ـ ویقول الشهرستانی: الشیعة هم الّذین شایعوا علیّاً فی الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصیّةً.(4)
5 ـ وقال ابن حزم: ومن وافق الشیعة فی أنّ علیّاً أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالإمامة، وولْده من بعده.(5)
هذا غیض من فیض، وقلیل من کثیر، ممّا جاء فی کلمات المؤرّخین وأصحاب المقالات، تُعرب عن أنّ لفیفاً من الأُمّة فی حیاة الرسول وبعده، إلى عصر الخلفاء وبعدهم، کانوا مشهورین بالتشیّع لعلیّ، وأنّ لفظة الشیعة ممّا نطق بها الرسول وتبعته الأُمّة علیه.
ـــــــــــــــــ
(1) الوصیّة: 121.
(2) فِرق الشیعة: 15.
(3) مقالات الإسلامیّین: 1/65.
(4) الملِل والنحل: 1/131.
(5) الفصل فی الملِل والنحل: 2/113.

رواد التشیع فی عصر النبیّ (صلَّى الله علیه وآله وسلَّم):
وإلیک أسماء لفیف من الصحابة الشیعة المعروفین بالتشیّع:
1 ـ عبد الله بن عبّاس. 2 ـ الفضل بن العبّاس. 3 ـ عبید الله بن العبّاس. 4 ـ قثم بن العبّاس. 5 ـ عبد الرحمن بن العبّاس. 6 ـ تمام بن العبّاس. 7 ـ عقیل بن أبی طالب. 8 ـ أبو سفیان بن الحرث بن عبد المطلب. 9 ـ نوفل بن الحرث. 10 ـ عبد الله بن جعفر بن أبی طالب. 11 ـ عون بن جعفر. 12 ـ محمد بن جعفر. 13 ـ ربیعة بن الحرث بن عبد المُطّلب. 14 ـ الطفیل بن الحرث. 15 ـ المغیرة بن نوفل بن الحارث. 16 ـ عبد الله بن الحرث بن نوفل. 17 ـ عبد الله بن أبی سفیان بن الحرث. 18 ـ العبّاس بن ربیعة بن الحرث. 19 ـ العبّاس بن عُتبة بن أبی لهب. 20 ـ عبد المُطّلب بن ربیعة بن الحرث. 21 ـ جعفر بن أبی سفیان بن الحرث.
هؤلاء من مشاهیر بنی هاشم، وأمّا غیرهم، فإلیک أسماء لفیف منهم:
22 ـ سلمان المحمّدی. 23 ـ المقداد بن الأسود الکندی. 24 ـ أبوذر الغفاری. 25 ـ عمّار بن یاسر. 26 ـ حذیفة بن الیمان. 27 ـ خزیمة بن ثابت. 28 ـ أبو أیّوب الأنصاری. 29 ـ أبو الهیثم مالک بن التیهان. 30 ـ أُبی بن کعب. 31 ـ سعد بن عبادة. 32 ـ قیس بن سعد بن عبادة. 33 ـ عدی بن حاتم. 34 ـ عبادة بن الصامت. 35 ـ بلال بن رباح الحبشی. 36 ـ أبو رافع مولى رسول الله. 37 ـ هاشم بن عتبة. 38 ـ عثمان بن حُنیف. 39 ـ سهل بن حُنیف. 40 ـ حکیم بن جبلة العبدی. 41 ـ خالد بن سعید بن العاص. 42 ـ أبو الحصیب الأسلمی. 43 ـ هند بن أبی هالة

التمیمی. 44 ـ جعدة بن هبیرة. 45 ـ حجر بن عدی الکندی. 46 ـ عمرو بن الحمق الخزاعی. 47 ـ جابر بن عبد الله الأنصاری. 48 ـ محمّد بن أبی بکر. 49 ـ أبان بن سعید بن العاص. 50 ـ زید بن صوحان الزیدی.
هؤلاء خمسون صحابیّاً من الطبقة العلیا للشیعة، فمن أراد التفصیل والوقوف على حیاتهم وتشیّعهم، فلیرجع إلى الکتب المؤلَّفة فی الرجال.


طباعة   البريد الإلكتروني