لفظة الله في القرآن وعند المتکلمین

(وقت القراءة: 7 - 13 دقائق)

norqoran

لقد وردت کلمة الله في آیات القرآن الکریم التي تتجاوز ۶۰۰,۶ آیة ۶۰۰,۲ مرة کما وردت فیه لفظة «الرب» مایقرب من ۰۰۰,۱ مرة وهي راجعة إلی لفظة الله. إن الله هو المحور الأساس للنص القرآني حیث تحدث عن الله بأشکال مختلفة.
لم یتبع المتکلمون في طرح بحوثهم المتعلقة بمعرفة الله الأسلوب القرآني رغم أنهم تحدثوا عن المواضیع ذاتها التي تعدّ جزءاً من مضمون القرآن؛ لمعرفة کیفیة الحدیث عن الله في الکلام الإسلامي یبدو من الضروري في البدایة، الحدیث عن الله في القرآن: أولاً اعتبر القرآن وجود (الله) أمراً مسلّماً به ولیس إثبات وجوده أمراً ذا أهمیة. « … أفي الله شک فاطرِ السماوات والأرض … » (إبراهیم  / ۱۴ / ۱۰)، «فأقم وجهک للدین حنیفاً فطرت الله التي فطر الناس علیها لاتبدیل لخلق الله … » (الروم / ۳۰ / ۳۰)، «ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض لیقولن الله … » (لقمان / ۳ / ۲۵؛ الزمر / ۳۹ /  ۳۸).
ثانیاً: لایتناول القرآن في قسم کبیر منه وصف اللّه وإنما یقوم «بالحکایة» عنه وإن الترکیز الأساسي في الکتاب علی أفعال الله المتعددة ولیس علی صفات الله وهي وردت فیه مئات المرات. فالحدیث یدور فیه علی أن الله قد فعل کذا ویفعل کذا وسیفعل کذا أو أنه قال کذا ویقول کذا وسیقول کذا وما شابه ذلک.
ثالثاً: یربط القرآن علاقة الإنسان بالله في قالب أسماء متعددة یذکرها للّه ولایربطها بأوصافه الواردة في القرآن فالحدیث فیه عن دعوة الله بأسمائه: «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أیّاً ماتدعوا فله الأسماء الحسني» (الإسراء  / ۱۷ / ۱۱۰).
وفیما یلي نماذج من الخطاب القرآني حول أفعال الله:
... إنه یبدأ الخلق ثم یعیده (یونس / ۱۰ / ۴)؛ وأسبغ علیهم نعمة ظاهرة وباطنة (لقمان / ۳۱ / ۲۰) ولنبلونکم بشيء من الخوف والجوع (البقرة / ۲ / ۱۵۵)؛ وإذا سألک عبادي عني فإني قریب أجیب دعوة الداع إذا دعان (البقرة / ۲ / ۱۸۶)؛ ...  فبعث الله النبیین مبشرین ومنذرین (البقرة ۲ / ۲۱۳)؛ ... فأخذهم الله بذنوبهم والله شدید العقاب (آل عمران  / ۳ / ۱۱)؛ ... ویمسک السماء أن تقع علی الأرض إلابإذنه (الحج  / ۲۲ / ۶۵)؛ الله یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر (الرعد  / ۱۳ / ۲۶)؛ ألم تر أن الله سخّر لکم مافي السماوات ومافي الأرض (لقمان  / ۳۱ / ۲۰)؛ أن الله هو یقبل التوبة عن عباده (التوبة  /  ۹ / ۱۰۴)؛ والذي قدّر فهدی (الأعلی  / ۸۷ / ۳)؛ ... ومن یغفر الذنوب إلاّ الله ... (آل عمران  / ۳ / ۱۳۵)؛ إن الله یأمر بالعدل (النحل  / ۱۶ / ۹۰)؛ ألم أعهد إلیکم یابنی آدم أن لاتعبدوا (یس / ۳۶ / ۶۰)؛ مایفتح الله للناس من رحمة فلا ممسک لها (الفاطر / ۳۵ / ۲)؛ ... غضب الله علیهم (الممتحنة  / ۶۰ / ۱۳)؛ وما کان عطاء ربک محظوراً (الإسراء  / ۱۷ / ۲۰)؛ بل نقذف بالحق علی الباطل فیدمغه فإذا هو زاهق (الأنبیاء،  / ۲۱ /  ۱۸)؛ ... ویکشف السوء (النمل /  ۲۷ / ۶۲)؛ إن الله لایخلف المیعاد (آل عمران  / ۳ /  ۹)؛ ... لم یتخذ ولداً (الإسراء  / ۱۷ / ۱۱۱)؛ کذلک یوحی الیک وإلی الذین من قبلک (الشوری  / ۴۲ / ۳) ... المتوکلین (آل عمران  / ۳ /  ۱۵۹)؛ إن الله یحب المتقین (التوبة / ۹ / ۷)؛ إن الله یحب التوابین ویحب المتطهرین (البقرة  / ۲ / ۲۲۲)؛ والدعوة إلی العدالة (المائدة  / ۵ / ۳۲)، إن الله یحب المتقین (التوبة  / ۹ / ۴)؛ ... أوفوا بالعقود ... (المائدة  / ۵ / ۱)؛ ... وإلینا ترجعون (الأنبیاء  / ۲۱ / ۳۵)؛  ... ووفّیت کل نفس ماکسبت وهم لایظلمون (آل عمران  / ۳ / ۲۵). إن المضامین المذکورة وما شأبهما تکررت مئات المرات في القرآن وهي تشکّل   النص القرآني. فهذه المضامین لاتدور حول حیثیات الحیاة ولکنها تعبّر عن الحوادث التي تحدث والتي یعدّ الله سبباً فیها ومصدراً لها. کما لاتشیر هذه المضامین إلی کیفیة الله وأوصافه لکنها تبین أفعال الله وإن هذه المضامین سرد لأفعال الله. کما أن الأسماء الإلهیة الواردة في القرآن تشیر إلی أفعال الله لا إلی صفاته، إذ إن جمیع هذه الأسماء استخدمت في قضایا معینة فعلی سبیل المثال فإن صفات کالعلیم والقدیر والرحیم والغفور وغیرها استخدمت في أمور یجب علی الإنسان أن یعلم فیها أن الله مطلع علی أعماله ویستخدم قدراته فیها، لذلک فإن العلیم معناه «یطّلع» والقدیر معناه «یستخدم قدرته» والغفور معناه «یغفر» والرحیم معناه «یشفق» فعلی سبیل المثال هذه بعض من تلک الأسماء: أحسن الخالقین (المؤمنون  / ۲۳ / ۱۴)؛ أحکم الحاکمین (التین / ۹۵ /  ۸)؛ أرحم الراحمین (یوسف / ۱۲ / ۶۴)؛ البصیر (الإسراء  / ۱۷ / ۱)؛ التواب (البقرة  / ۲ / ۳۷)؛ الحکیم (البقرة  / ۲ / ۲۲)؛ خیر الرازقین (المؤمنون  / ۲۳ / ۷۲)؛ الرّب (البقرة  / ۲ / ۲۱)؛ رب العالمین (الفاتحة  / ۱ / ۲)؛ الرحمن (الفاتحة  / ۱ / ۱)؛ الرحیم الرقیب (المائدة  / ۵ / ۱۱۷)؛ سریع الحساب (البقرة  / ۲ / ۲۰۲)؛ السمیع (البقرة  / ۲ / ۱۲۷)؛ شدید العقاب (البقرة  / ۲ / ۱۲۷)؛ الشهید (آل عمران  / ۳ /  ۹۸)؛ العلیم (البقرة  / ۲ / ۳۲)؛ علاّم الغیوب (المائدة  / ۵ / ۱۰۹)؛ علیم بذات الصدور (آل عمران  / ۳ / ۱۱۹)؛ الغفار (ص ۳۸ / ۶۶)؛ المحیط (البقرة  / ۲ / ۱۹)؛ محیی الموتی (الروم  / ۳۰ / ۵۰)؛ یخرج الحي من المیت (الأنعام  / ۶ / ۹۵)؛ مخرج المیت من الحي؛ المصور (الحشر  / ۵۹ / ۲۴)؛ الوکیل (آل عمران  / ۳ / ۱۷۳)؛ المجیب (هود  / ۱۱ / ۶۱).
ظهور أولی الأسئلة:  کان موضع وجود الله عند رحیل الرسول الأکرم (ص) أمراً مفرغاً منه لایشکّ فیه أحد من المسلمین. وإنهم کانوا یفکرون في أسماءالله اتباعاً للقرآن وکانوا یتحدثون عن أفعاله. ولکن بعد مضي الأیام بدأت أسئلة حول الله بشکل تدریجي في الظهور کانت تتجاوز موضوع التفکیر في أفعال الله. وکانت هذه الأسئلة تظهر عند تفسیر بعض الآیات القرآنیة ومن هذه الأسئلة: مامعنی الأحد والصمد في سورة الإخلاص ؟ هل إن المراد بالأحد هو الوحدة العددیة؟ وهل إن الله شخص واحد إلی جانب أشخاص آخرین؟ أم أن المقصود بذلک هو أن أحداً لیس مثله فهو عدیم المثیل؟ ما المراد بید الله في الآیة (... ید الله فوق أیدیهم ... الفتح  /  ۴۸ / ۱۰) وبعرش الله في الآیة (الرحمن علی العرش استوی: طه  / ۲۰ / ۵) وبمجيء الله في الآیة (وجاء ربُکُ والملک صفّاً صفّاً: الفجر  / ۸۹ / ۲۲)، وبغضب الله في الآیة (غضب الله علیهم ... : الفتح  /  ۴۸ / ۶)، وبرحمة الله في الآیة (... أولئک سیرحمهم الله ... : التوبة  /  ۹ / ۷۱) وبمحبة الله في الآیة (... یحبهم ویحبونه ... : المائدة  / ۵ / ۵۴)؟
یظهر في الإلهیات الأولی لدی المسلمین شيء من تجسیم۱ الله، کان هولاء المجسمون یقولون بجسمانیة الله ویعتبرونه صاحب أعضاء جسدیة إنسانیة کالید والرجل واللحم والدم والقلب. کان بعضهم یقول: بأن للّه أعضاء جسمانیة غیر أنها لیست کأعضاء الجسد الإنساني (ابن قتیبة، ۳۱۷- ۳۱۸؛ ابن الجوزي، ۷۸؛ ابن تیمیة، ۱ / ۲۷۲)؛ فعلی الرغم من وجود آیات عدیدة في القرآن تؤید بمدلولها الظاهري المعتقدات المبنیة علی التجسیم وسبق ذکر نماذج منها آنفاً غیر أن هذا التجسیم حسب رأی فان إس، کان متجذراً في المعتقدات المحلیة السابقة للأشخاص والمجموعات التي کانت تدخل في الإسلام قبل أن یکون مرتبطاً بالقرآن. فحسب رأیه فإن الآیات القرآنیة التي تصرح بتجسیم الله ولایمکن تفسیرها بشکل آخر تعتبر قلیلة العدد (IV / ۴۱۶).
بعد اتساع الفتوح والامتزاج الواسع بین المسلمین وأتباع سائر الأدیان واطلاعهم علی بعض المواضیع والمباحث الفلسفیة، أصبحت قضایا من مثل کیفیة معرفة الإنسان للّه والأدلة للاعتقاد بوجوده وکیفیة صفاته وأسمائه ومعاییر أفعاله، کمحور للمباحث الاعتقادیة وظهر خلال القرون المتتالیة مایعرف الیوم بإلهیات المتکلمین المسلمین.
کما سبق آنفاً فإن المتکلمین المسلمین لم یکونوا یحاولون تبیین أو توضیح إله القرآن، لقد کانوا بعد التأثر بالآراء والأفکار الفلسفیة‌ ـ الدینیة الموجودة في عصرهم، یسعون إلی الرد علی الشبهات الأسئلة المطروحة حول وجود الله أو سائر معتقدات المسلمین من جانب أتباع سائر الأدیأن أو من جانب الفلاسفة. لقد کانوا یحاولون المزج بین معتقداتهم وبین تلک الآراء والأفکار الفلسفیة للتوفیق فیما بینها والرد علی الشبهات والأسئلة (ن.ص).
تعابیر المتکلمین الفلسفیة عن الله:  إن ما حدّد ظهور المواضیع والقضایا والأسالیب الأولی لعلم الکلام في الإسلام یتمثل في عدول المتکلمین الأوائل عن التعابیر الدینیة القرآنیة حول الله والنزوع نحو التعابیر الفلسفیة کما یتمثل في عدولهم عن شرح أسماء الله وأفعاله والاتجاه نحو تبیین وشرح الصفات الإلهیة.
استخدم المتکلمون تعابیر عن الله لم تکن قد وردت في القرآن فقد عبرّوا عنه بوصفه الصانع والمحِدث والقدیم وموجد العالم والواجب ومن ثم حاولوا إثبات وجوده من منطلق عقلي. وفیما یلی نماذج مما ذُکر في هذا الصدد: الأشعري، اللمع، «باب الکلام في وجود الصانع وصفاته» (ص ۶-۱۴)؛ إبراهیم بن نوبخت، الیاقوت، «في إثبات الصانع وتوحیده» (ص ۳۸-۴۳)، الطوسي، الاقتصاد فیما یتعلق بالاعتقاد، «في إثبات صانع العالم» (ص ۲۵-۳۲)؛ الجویني، الشامل في أصول الدین، «القول في الدلیل علی وجود القدیم سبحانه» (ص ۶۰۹-۶۱۷)، وکذلک «باب القول في أن الصانع لاأوّل له» (ص ۶۱۷-۶۱۷)، فخر الدین الرازي، البراهین في علم الکلام، «إثبات العلم بالصانع» (ص ۵۱-۷۶)؛ ابن الملاحمي الخوارزمي، المعتمد في أصول الدین، «أفعال البارئ تعالی» (ص ۷۶۵-۷۶۹)؛ عضد الدین الإیجي، المواقف، «في إثبات الصانع» (۸ / ۲۶۶-۲۷۰)؛ المحقق الحلّي، المسلک في أصول الدّین، «في إثبات العلم بالصانع» (ص ۳۹-۴۱)؛ العلامة الحلي، کشف المراد، «في إثبات الصانع تعالی» (ص ۳۰۵-۳۲۴)؛ القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة «الأجسام لأنها محدثة تحتاج إلی محدِث هو الله» (ظ: ما نکدیم، ۱۱۸)؛ والشهرستاني، نهایة الإقدام في علم الکلام، «طرق إثبات البارئ» (ص ۹۳-۱۰۳). وعندما اصطبغ الکلام الإسلامي تدریجیاً بصبغة فلسفیة أکثر بدأت المؤلفات الکلامیة تعبرّ عن اللّه «بواجب الوجود» وفیما یلي نماذج منها علی سبیل المثال لا الحصر:
الآمدي، غایة المرام في علم الکلام «طریق إثبات الواجب» (ص ۹-۲۵)؛ نصیر الدین الطوسي، تجرید الاعتقاد (ص ۱۱-۱۲، مخ‍‍ (؛ العلامة الحلّي، النافع یوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، «في إثبات واجب الوجود لذاته» (ص ۲۳)؛ اللاهیجي، گوهر مراد، «في اثبات واجب الوجود تعالی شأنه» (ص ۱۸۹)؛ فخر الدین الرازي، محصل أفکار المتقدمین والمتأخرین، «مدبر العالم واجب الوجود انتهی إلیه الوجود» (ص ۱۱۱).
إن أیاّ من العبارات السابقة الذکر التي تعدّ عبارات فلسفیة وأوردها المتکلمون لم یرد في القرآن. فاللّه في القرآن قد أطلق علی نفسه اسم «الخالق» وهو تعبیر دیني ولیس تعبیراً فلسفیاً کما أن کلمات «الخالق» و«خلَق» و«یخلُق» وسائر مشتقات «خلق» قد وردت أکثر من ۲۰۰ مرة في القرآن عن الله. کما استخدمت لفظة «البارئ» في بعض المرات. وقد اعتبر القرآن لفظة «الخالق» ضمن أسماء الله حیث تشیر إلی فعل الله المستمر أي الخلق الدائم لجمیع الکائنات «خالق کل شي» (الأنعام / ۶ / ۱۰۲؛ الرعد  / ۱۳ / ۱۶؛ الزمر  / ۳۹ / ۶۴؛ الغافر  / ۴۰ / ۶۲)؛ فبینما توحّد تعابیر من مثل صانع العالم وموجِد العالم ومحدِث العالم وواجب الوجود والقدیم ومایشابهها، العالم وتسعی إلی تبریر وجوده عبر الاستدلال العقلي فإن النظر من هذا المنطلق الذي تطرح فیه قضیة معرفیة باعتبارها «معرفة الله» یقتضي مناقشة ذات الله وصفاته بدلاً من الاهتمام بأسمائه وأفعاله حیث کثر الحدیث عن صفات ذات الصانع والموجد وواجب الوجود و ... ؛ وبذلک نحا الکلام الإسلامي المنحی الذي أشیر إلیه آنفا.
وجوب معرفة الله من المنطلق العقلي:  لقد تصدّر الزعم القائل بوجوب معرفة الله من المنطلق العقلي بحوث غالبیة المتکلمین ومقدمات تلک البحوث وقد انقسم هؤلاء في تعلیل هذا الوجوب إلی فریقین، فریق یؤسس علی العقل وفریق آخر یبني علی النقل والسمع. لقد أکد المتکلمون النازعون إلی العقل في بدایة مؤلفاتهم الکلامیة علی موضوعین: الأول هو أن العقل الإنساني یفرض علیه المعرفة العقلیة للّه والثاني هو أن هذا الجهد لابد وأن یکون قبل کل شيء جهداً فردیاً لدی أي إنسان ولایجوز فیه تقلید الآخرین. ویتخلص سبب وجوب معرفة الله معرفة عقلیة حسب رأي هؤلاء فیما یلي: عندما یتحدث الأنبیاء عن الله وعن جزائه وعن عقابه ویبشرون وینذرون فإن ذلک یسبب خوفاً لدی الإنسان وهو یأتي من إمکانیة صحة مایدعیه الأنبیاء وأن یتحمل الإنسان الخسران الأبدي بعدم اهتمامه بهذا الکلام. ومن جانب آخر لایُعرف الله وصفاته وأفعاله بالعلم البدیهي والضروري کما لایمکن معرفته عبر المشاهدة إذ لایری، بناء علی ماتقدم یتضح أن الأنسان لایستطیع معرفة الله الاّ بالعقل وذلک لإزالة خوفه من الخسران الأبدي لذا فالواجب العقلي یفرض علیه معرفة الله معرفة عقلیة حتی یبعد عن نفسه الضرر المحتمل (ما نکدیم، ۵۴-۷۴؛ الطوسي، الاقتصاد، ۹۶-۹۷؛ العلامة، الکشف، ۲۶۰).
لقد أطلق هؤلاء المتکلمون علی مسعاهم العقلاني لمعرفة الله اسم «النظر» وأفردوا في بدایة بحوثهم الکلامیة مباحث مفصلة حول حقیقة النظر وأنواعه وکیفیة المعرفة الحاصلة عنه. فقد ذکروا: أن النظر سیؤدي بالضرورة إلی المعرفة (السید المرتضی، الذخیرة، ۱۶۷ وما بعدها ؛ أبو الصلاح، ۶۵؛ مانکدیم، ۱۹۹؛ الجویني، الإرشاد، ۲۵-۳۱؛ الطوسي، ن.م، ۲۰، التمهید ... ، ۸-۹) وقد أورد أبو حامد الغزالي الموضوع نفسه تحت عنوان «في النظر في ذات الله تعالی» (ص ۲۴).
أما المتکلمون القائلون بالسمع والنقل فعلی الرغم من اعتبارهم تحصیل المعرفـة العقلیـة للّه أمـراً واجباً علی الإنسان غیر أنهـم لم یؤسسوا هذا الوجوب علی مبدأ الوجوب العقلي لدفع الضرر المحتمل. ففي اعتقاد هؤلاء فإن مصدر هذا الوجوب هو «السمع» (الشـارع) ولا العقل (فخر الدین، محصـل ... ، ۴۲؛ عضد الدیـن، ۸ /  ۲۸-۲۳۲؛ ابن الملاحمي، المعتمد، ۷۵- ۷۸).
هناک فریق ثالث من المتکلمین المسلمین أطلق علیهم البعض اسم أصحاب المعارف حیث اعتبروا معرفة الله أمراً فطریاً وبـدیهیـاً رافضیـن الوجـوب العقلـي أو السمعـي لمعرفة اللـه (ظ: مانکدیم، ۵۵-۵۶).
الإثبات العقلي لوجود الله:  لقـد ذکر المتکلمون لإثبات وجود الله عبر العقل أدلة کثیرة فقد أورد فولفسن تحت عنوان: «خلق العالم» نقلاً عن ابن میمون ۷ براهین من البراهین المتعلقة بالخلق التي کان المتکلمون المسلمون یذکرونها لإثبات وجود الله من المنطلق العقلي حسب مایلي: ۱. الاستدلال عبر النهایات وإعادة خلق صورها الأولی ۲. الاستدلال عبر تشابه الأشیاء في العالم ۳. البرهان المبني علی اجتماع الذرات وافتراقها ۴. البرهان المـؤسس علی کون جمیع أعراض الأجزاء المرکِّبة للعالم حادثة ۵. الاستدلال باستحالة التسلسل ۶. برهان التخصیص ۷. برهان تفضیل الحیاة علی العدم ۸. برهان خلود الأرواح (ص ۳۷۳-۳۷۴). فمن بین هذه البراهین اعتبر أکثر المتکلمین برهان الحدوث والقدم من أقوی البراهین وأکدوا علیه أکثر من غیره (فخر الدین، المطالب ... ، ۱ / ۲۰۰).
یسعی برهان الحدوث والقدم إلی إثبات وجود «الصانع» أو «القدیم» أو «واجب الوجود» أو «المحدث» (ظ: قسم تعابیر المتکلمین الفلسفیة عن الله في هذا المقال) قد خلق هذ الکون. إن هذا البرهان في حقیقة الأمر هو برهان خلق العالم بواسطة الخالق.
لقد أورد المتکلمون برهان الحدوث والقدم في أشکال مختلفة وذلک علی اختلاف مذاهبهم؛ فمن المتکلمین الأشاعرة یمکن الإشارة إلی أبي الحسن الأشعري في اللمع (ص ۶-۷)، والباقلاّني في التمهید (ص ۲۲-۲۳)؛ وفخر الدین الرازي في المطالب العالیة (۱ / ۲۰۰- ۲۱۸)؛ أما المتکلمون المعتزلة فیمکن الإشارة منهم إلی القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة (ظ: مانکدیم، ۹۳-۱۱۳)، وابن الملاحمي في الفائق (ص ۱۱-۱۵)؛ ومن المتکلمین الشیعة إلی السید المرتضی في «جمل العلم والعمل» (ص ۱۰)؛ والطوسي في تمهید الأصول (ص ۱۴-۱۹)، والماتریدي في التوحید (ص ۱۱-۱۹) وإلی کثیرین غیرهم.
لقد ذکر هؤلاء لإعداد الأذهان لفهم هذا البرهان في مؤلفاتهم بدایة التعریف بالجسم وإثبات الجواهر وإثبات الأعراض وصفات الأجسام وإثبات بطلان الدور والتسلسل وماشابه ذلک. وفیما یلي نورد ما ذکره القاضي عبد الجبار کأسس لهذا البرهان وما أورده الباقلاني في التمهید علی شکل البرهان من بین ماذُکر في هذا الصدد:
یقول القاضي عبد الجبار: إن لأجسام (العالم) معاني (کیفیات) من مثل الاجتماع والافتراق والحرکه والسکون. إن هذه الکیفیات محدثة ولاتنفصل الأجسام أبداً عن هذه الکیفیات وهي لم تکن موجودة بدون هذه الکیفیات ولکون الأمر کذلک فإن الأجسام محدثة (ظ: مانکدیم، ۹۵) وهي تحتاج إلی محدِث. یقول الباقلاني في ذلک:


طباعة   البريد الإلكتروني